وتناقلت الأجيال قراءاتهم خلفاً عن سلف إلى يومنا، ولا زالت راية الإقراء مرفوعةً في أغلب الأمصار، ثم عصر تدوين هذا العلم بدأ مع نهاية القرن الأول الهجري كما قيل (15).
واستمر إلى يومنا هذا بشكل منقطع النظير.
أهم مراجعه:
كتب في علم القراءات كثيرون من قديم الزمان، فقد قيل: إن أول من ألف فيه يحيى بن يعمر (16) (المتوفى سنة 129هـ) واشتهر أن أبا عبيد القاسم بن سلام ألف فيه مرجعاً مهماً، ولكنه لم يصلنا (17) وذُكر أن القراء البدور المشهورين ألّفوا فيه أيضاً، ولكن شيئاً من ذلك لم يصلنا.
وأهم ما وصلنا كتاب السبعة لابن مجاهد المشهور أنه مسبّع السّبعة، ثم تطور التأليف حتى صار حصرُ ما ذكرته كتب التراجم متعسر، بل متعذر، وإنما هناك مدوناتٌ تعدُّ مفاصلَ في مسار تطور علم القراءات منها:
1 ـ التيسير لأبي عمرو الداني (18).
2 ـ حرز الأماني (النظم المشهور بالشاطبية) للإمام الشاطبي (19).
3 ـ النشر في القراءات العشر لابن الجزري.
4 ـ طيبة النشر التي نظم فيها ما ضمّنه النشر لابن الجزري.
5 ـ الدرة المضيئة في القراءات الثلاث لابن الجزري أيضاً.
وكلها مطبوع متداول، وعليها يُبنى أمر الإقراء في العالم كله.
وهناك كتب أخرى مشهورة، ولكنها دون سابقاتها، أذكر منها:
1 ـ جامع البيان لأبي عمرو الداني (20).
2 ـ غيث النفع للصفاقصي (21).
3 ـ اتحاف فضلاء البشر للدمياطي (22).
4 ـ البدور الزاهرة لعبد الفتاح القاضي (23).
ولا ننسى شروح الشاطبية وهي كثيرة جداً مما لا يستغنى عنها:
فتح الوحيد للسخاوي (24)، إبراز المعاني لأبي شامة (25)، سراج القاري لابن القاصح (26)، سراج القاري للضبَّاع (27).
ولعل من أيسر المراجع في عصرنا البسط في القراءات العشر لسمر العشّا، وهو كتاب مرتب جامع جميل، يوصل إلى الغاية من أقرب سبيل.
كيف نتعامل مع القراءات:
بعد أن استقر أمرُ الأمة على قراءة القرآن بالقراءات العشر ورواياتها المشهورة، مما لا يسعُ المجالَ هنا لتفصيل القول فيه، وحسبُنا أن نذكرَ بأن الإجماع حاصلٌ على أنه لم يحفظ من القراءات المتواترة والثابتة إلا ما روى عن القرّاء العشرة (28) دون غيرهم، وأن ما زاد على ذلك شاذٌّ لا يثبت به قرآنٌ.
بعد استقرار الأمّة على ذلك واجتماع الكلمة على هذه الهداية قد يحتار الإنسان في بعض ما يتعلق بها، وكيف يتعامل مع خلافاتها ولا محالة، سيحتاج إلى شيء من فقه التعامل مع القراءات وهو ما خصصنا له هذه الصفحات، مستعينين بالله، وسالكين منهجَ التبسيط وحسن العرض والله ولي التوفيق.
أولاً: وجوب قبول ما ثبت منها وحرمة إنكاره ورده وعدّه قرآناً نازلاً من السماء، لأنها نقلت إلينا بشكل قاطع عن الصادق المصدوق مبلِّغاً إياها عن ربه عز وجل، فهي وحقيقة القرآن لا ينفكان عن بعضهما البعض، فلا قرآن إلا وهو يتلى على قراءة من القراءات الثابتة عن رسول الله (ص)، ولا فرق بين قراءة وأخرى، فلا يحل إعمال إحداها وإهمال باقيها.
قرر هذا المعنى ابن الجزري رحمه الله حين قال: «وكل ما صحَّ عن النَّبيّ (ص) من ذلك فقد وجب قَبوله، ولم يسع أحد من الأمة ردّه، ولزم الإيمان به، وأن كله منزَّلٌ من عند الله، إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب الإيمانُ بها كلها، واتباع ما تضمنته من المعنى علماً وعملاً ولا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى، ظناً أن ذلك تعارض» (29).
ثانياً: وجوب المحافظة عليها وتعليمها وجوباً كفائياً، لكي لا يضيعَ شيءٌ من كلام الله الذي أنزله لهداية البشرية، وذلك لا يتم إلا بالمحافظة على سنة الإقراء والأخذ عن الشيوخ المتصل سندُهم بالعدول إلى رسول الله (ص)، وكذلك لضمان بقاء تواتر ما وصلنا بالتواتر من كيفيات وقراءات وإن قل من يقرأ بها الآن كبعض الإمالات والإدغامات ونحو ذلك.
قرّر بعض ما ذكرتُه الإمام البغوي (30) في أو تفسيره المشهور فقال: «ثم إن الناس كما أنهم متعبدون باتباع أحكام القرآن وحفظ حدوده، فهم متعبدون بتلاوته وحفظ حروفه على سنن خط المصحف الإمام الذي اتفقت الصحابة عليه، وأن لا يجاوزوا فيما يوافق الخط عما قرأ به القراء المعروفون، الذين خلفوا الصحابة والتابعين، واتفقت الأمة على اختيارهم» (31).
ثالثاً: ضرورة التمييز بين القراءات الثابتة وغيرها من القراءات الشاذة والضعيفة والموضوعة.
¥