تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهو أمرٌ سهلٌ علينا الآن، بعد أن بذل سلفُنا المُهجَ، وذاقوا الأمَرّين، حتى حفظوا لنا المحفوظ وميّزوه عن غيره، وفرغوا من ذلك من زمن بعيد، واستقرت الأمةُ على قراءات عشرة برواياتها العشرين، لم يخرج شيءٌ من القرآن المتواتر بقراءاته عنها، وهذا التمييز ضروري جداً، لأن القراءات الثابتة لها حكم القرآن، أما غيرها فلا، وشتان بين كلام الله وما لم يثبت أنه كلام الله، وقصارى ما يستفاد من القراءات الخارجة عن العشر إذا لم تكن ضعيفة أو موضوعة أن يستفادَ منها في اللغة والإعراب وفي التفسير والاستنباط، وهذا أمر مبسوط في مبحث القراءات الشاذة في كتب القراءات خاصة وعلوم القرآن عامة (32) وأطروحات خاصة بها.

رابعاً: ضرورة التفريق بين مصطلح القراءات السبع، والأحرف السبعة، لأن الخلط بينهما جهالة وقع فيها بعض العوام من قديم الزمان، ونبه عليها كثير من العلماء الأعلام.

فالأحرف هي الأوجه أو اللغات التي نزل عليها القرآن تيسيراً على الأمة ومراعاة لسنّة التدرج مع أصحاب اللغات العربية وتنوعها حتى تراض ألسنتهم ويتعودوا شيئاً فشيئاً على أفصح اللغات وهي لغة قريش، لغة رسول الله (ص)، ولحكم أخرى معلومة وميسورة لمن أرادها.

أما القراءات السبع: فهي اختيارات سبعة قراء اجتمعت الأمة على اختياراتهم وذكرهم ـ أولاً ـ ابن مجاهد في كتابه السبعة في القرن الرابع الهجري.

وهي بمجموعها جزءٌ مما حفظه الله من هذه الأحرف ولم ينسخها، أو من حرف واحد على رأي آخر مرجوح، فلا يصح بحال أن يقال بالترادف بينهما، بل الصواب الذي لا يصح سواه أن بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً، فالأحرف أعمُّ من كل وجه، والقراءاتُ أخص من كلِّ وجه.

ومن أقوال أهل العلم في ذلك كلام أبي شامة المقدسي، حيث قال: «ظنَّ قومٌ أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل» (33).

خامساً: الانتباه إلى أن نسبة القراءة إلى القارئ لا تعني أنه ابتدعها وأنها منه صدرت كما زعم ذلك بعض المنحرفين أو بعض المخطئين، وإنما قُصارى ما تعنيه هذه النسبةُ أنها اختياره من مجموع ما رواه وتلقاه، فلزمه وقرأ به وأقرأ الناس به حتى عُرف به أو اشتهر به فنسب غليه لا أكثر من ذلك ولا أقل.

وقد تواردت عباراتُ أهل العلم لتقرير هذا المعنى وإزالة هذا الإيهام، فمنهم ابن الجزري حين قال: «ونعتقد أن معنى إضافة كل حرف من حروف الاختلاف إلى من أضيفت إليه من الصحابة وغيرهم إنما هو من حيث إنه كان أضبط له، وأكثر قراءة وإقراءً له، وملازمة له، وميلاً إليه، لا غير ذلك، وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة ورواتهم المراد بها: أن ذلك القارئ وذلك الإمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة حسبما قرأ به، فآثره على غيره، ودوام عليه ولزمه حتى اشتهر وعرف به، وقصد فيه، وأُخذ عنه، فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء، وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد».

سادساً: اعتقاد أن القراءات الثابتة منسجمة كل الانسجام وأن الخلاف بينهما خلاف تنوع لا خلاف تضاد، فما من قراءة إلا ولها فائدةٌ قد لا تكون في غيرها، لذلك نقطع بانتفاء خلاف التضاد بين القراءات الثابتة، فليس في بعضها تحليل لما تحرمه الخرى ولا نفيُ لما تثبته الأخرى، وإنما فيها بعضها زيادة فائدة أو بيان لإجمال أو تقييد لمطلق أو تخصيص لعام كما سبق بيانه، وقد قرّر هذا المعنى بوضوح الصحابيُّ الجليل عبدا لله بن مسعود رضي الله عنه حين قال: «لا تختلفوا في القرآن ولا تنازعوا فيه، فإنه لا يختلف ولا يتساقط وأمر الله فيها أحد، ولو كان من الحرفين حرف يأمر بشيء ينهى عنه الآخر، كان ذلك الاختلاف، ولكنه جامع ذلك كله .. ، ومن قرأ على قراءة لا يدعها رغبة عنها، فإنه من كفر بحرف كفر به كله» (34).

ذكر هذا الأثرَ ابنُ الجزري وعلّق عليه بقوله: «وإلى ذلك أشار النبيُّ (ص) حيث قال لأحد المختلفين: (أحسنت)، وفي الحديث الآخر: (أصبت)، وفي الآخر: (هكذا أنزلت)، فصوَّب النبي (ص) قراءةَ كل من المختلفين، وقطع بأنها كذلك أنزلت من عند الله» (35).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير