ـ[أبو تراب الجزائري]ــــــــ[14 Sep 2010, 06:42 م]ـ
إعادة البثّ بعد وقوع خلل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد
أخي الشيخ جزاك الله خيراً على هذه المداخلة وآمل ألاّ تكون هي الأخيرة.
المشكلة أنّ الكثير وللأسف لا يفرّقون بين الأداء الذي هو مجرّد كيفيّة وهيئة يتلقاها التلميذ عن الشيخ بالتسلسل. وبين حجيّة الأداء وذلك على ضوء الضوابط التي وضعها الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى.
فالأداء لوحدة لم يكن يوماً ما حجّة بنفسه لأنّه قد يعتريه شيء من التغيير لا سيما إن طالت سلسلة الإسناد،وذلك لعروض الغفلة والسهو على الشيوخ مهما كانت فطنتهم، ولتفاوتهم في العلم والإتقان، أو لاجتهاد يجعل الشيخ يخالف شيخه أن رأى الصواب في غير ما تلقّاه عنه، أو يكون الشيخ كفيفاً بحيث يكتفي بالسماع دون المشافهة لأنّ المشافهة تستلزم النظر إلى فم التلميذ وهذا متعذّر لا يسما إن قرأ الكفيف على الكفيف أو لتساهل لبعض الشيوخ وهكذا. وهذا الذي حمل الأئمّة على التدوين.
وسأضرب مثالاً في ذلك لعلّ الأمور تتضح أكثر. أخبرني شيخنا العلامة أيمن سويد حفظه الله تعالى أنّ الشيخ أبا الحسن الكردي والشيخ محمد سكر رحمهما الله وهما من كبار مشايخ دمشق قرآ القراءات العشر على شيخهما الحلواني في آن واحد بمعنى أنّ أحدهما يقرأ على الشيخ صفحة من القرءان ثمّ يعيد الثاني نفس الصفحة على الشيخ في نفس المجلس وذلك إلى أن ختما القرءان بالعشر. ومع هذا فكلّ واحد من الشيخين يختلف أداءه قليلاً عن الآخر في كيفيّة النطق بالقلقلة، والإمالة والنطق ببعض الحروف مع أنّهما قرآ على شيخ واحد في فترة واحدة. وصار لكلّ منهما مدرسة تمتاز عن غيرهما في بعض الهيئات الأدائيّة، وبمجرّد أن تسمع قارئاً يقرأ يمكن أن تدرك إلى أيّ المدرستين ينتمي. فأقول إن ورد الخلاف ولو قليلاً عن شيخين متقنين عالمين قرآ على شيخ واحد في فترة واحد فكيف بمن دونهما في الإتقان والعلم، وكيف إن طالت سلسلة الإسناد عبر القرون؟.وعلى ما سبق ندرك أنّ الأداء معرّض للتغيير حتّى ولو كان رجال الإسناد مهرة ومتقنين ومجتهدين لأنّ نقدهم للأداء الذي تلقّوه وارد ومن حقّهم العدول عنه إلى ما يرونه صواباً. قال الداني: العلم فطنة ودراية أحسن منه سماعاً ورواية. فقد عدل ابن الجزري عن الكثير من مروياّته إلى ما رآه صواباً فقد تلقّى {يواخذ} بتمكين مدّ البدل ثمّ عدل عنه وكذا المتولّي في التحريرات حيث عدل عن مذهبه – مذهب المنصوري - في التحريرات الذي تلقّاه عن شيوخه إلى مذهب الأزميري، وهذا ما فعل الشيخ عامر في الفرجة والضاد. نكتفي بما ذكر.
أمّا اعتراضكم على قولي:
ليس مرادي من ذلك إعمال الرأي في النصوص ومخالفة ما هو عليه المشايخ. وإنّما الاستدراك يكون على أساس أقوال معتبرة لعلماء معتبرين كذلك. إن قرأت على شيخ بالفرجة في الميم المخفاة فيمكنني أن أخالف هذا الأداء على أساس نصوص وأقوال معتبرة قال بها كبار العلماء كذلك، وليس لي ولا لغيري الانفراد بشيء. وكلّ المسائل المتنازع فيها اليوم إلاّ وتجد وراء ها كبار المشايخ من كلا الطرفين وليس صغارهم إذ الخلاف الذي يدور بين الصغار لا يُعد خلافاً معتبراً. ولا نقبل بأيّ حال أن يأتي شيخ يستنبط حكماً بفهمه من نصّ يخالف فيه السلف والخلف. فإن خالفت الخلف فلا بدّ أن يكون لك سلف.
وأضرب لك مثالاً وقع لي مع شيخي العلامة عبيد الله الأفغاني حفظه الله تعالى حيث كان يقرئ بالإشمام في {تأمنّا} من غير غنّة في النون المشدّدة معتبراً أنّ الإشمام لا يصحبه صوت. وقد نبّهته أنّ المراد بالصوت هنا صوت الضمّ لا صوت الغنّة، إذ الغنّة صفة لازمة للنون المشددة. بدليل أنّ من وقف على {وعد الله حقٌ} بالإشمام يُقلقل القاف ثم يشير إلى الضمّ، فصوت القلقلة يبقى جلياً وإنّما يمتنع التصويت بالضم.
أقول: كان بإمكاني الاعتماد على هذا الأداء ولكنّي استدركت على الشيخ وأقرئ بسنده بما هو عليه القراء اليوم لأنّه هو الموافق لما عليه أهل أداء قولاً وعملاً.
أخبرني الشيخ أبو الحسن الكردي رحمه الله تعالى أنّه تلقّى رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبيّة بقصر المنفصل ولكن لم يُقرئ به ولله الحمد. السؤال: هل يجوز أن نقرئ بذلك على أساس الأداء؟ حتماً لا لأنّه ضعيف من جهة الرواية.
أخبرني شيخنا موفّق عيون شيخ القراءة في مدينة دوما بدمشق الجامع للقراءات الصغرى والكبرى أنّه تلقّى القرءان بقصر المنفصل لشعبة من الطيّبة. السؤال: هل نقرأ به؟ حتماً لا لأنّه لم يرد لا في الطيّبة ولا في مصادرها. ولكنّه مقروء به الآن في دمشق.
ففي هاتين الحالتين وشبههما يمكن للطالب مخالفة أداء شيوخه.
فيكون الاستدراك على هذا النحو جائزاً بل لازماً في بعض الحالات. وليس بالانفراد والخرق.
وألفت نظركم أنّ هذه المشاكل وقعت في الماضي وما زالت تقع مع شيوخ ذوي علم ودراية وإتقان فما بلك بمن هو دونهم. فالطفل الصغير قد يكون ماهراً إن لقّن تلقيناً صحيحاً مع جهله التام. وقد يكون ماهراً عند شيخه وليس كذلك عند غيره. فالمهارة والإتقان أمران نسبيّان بحسب أراء الشيوخ كلّ بحسب ما وصل إليه علمه وإتقانه.
وللخروج من هذه المآزق علينا أن نتضلّع بالعلم مع التلقّي والمشافهة من المشايخ المؤّهلين.
والعلم عند الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
عندي إستدراك وتصحيح لما وقع في كلام الأخ الكريم محمد، ولعله سبق قلم، وذلك في معرض كلامه على الشيخين أبي الحسن محي الدين الكردي و محمد سكر، رحم الله جميع مشايخنا ومن له الفضل علينا، فالشيخان قرآ القرآن الكريم بالقراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة على الشيخ اللغوي الأصولي محمود فايز الدير عطاني وهو تلقاه عن شيخ قراء الشام محمد سليم الحلواني، والله أعلم.
¥