أما الزركشي (ت794هـ) في كتابه (البرهان في علوم القرآن) فقد أورد عدة تعريفات أولاها: تعريف الجعبري السالف ذكره مع ملاحظة أنه قال: (فقال الجعبري في كتاب المفرد في معرفة العدد ... إلخ+ والكتاب مطبوع باسم) حسن المدد في فن العدد+ ولا ضرر في هذا الأمر، فقد يكون للكتاب أكثر من اسم.
ثم ذكر الزركشي تعريفاً آخر بقوله: (وقال غيره – أي – الجعبري: طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها، وما بعدها ليس بينها شبه بما سواها).
وقيل: (هي الواحدة من المعدودات في السور) (5).
أما السيوطي (ت911هـ) في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) فذكر التعريفات التي أوردها الزركشي في برهانه، وزاد عليه تعريفاً وهو: (فالآية طائفة من حروف القرآن علم بالتوقيف انقطاعها+ ثم شرحه بقوله: يعني عن الكلام الذي بعدها في أول القرآن، وبعد الكلام الذي قبلها في أول القرآن، وعما قبلها وما بعدها في غيرهما غير مشتمل على مثل ذلك) (6).
أما ابن عقيلة المكي (ت1150هـ) في كتابه (الزيادة والإحسان في علوم القرآن) فقد عرَّف الآية بقوله: (وهي طائفة من كلام الله تعالى علم بتوقيت الشرع إقطاعها عن الكلام الذي بعدها في الأوائل وعن الكلام الذي قبلها في الأواخر، وعنها في الأوساط) (7).
وتعريف السيوطي وابن عقيلة يدل على رأيهما في أن تحديد رؤوس الآي توقيفي صرفة ولا مجال للقياس فيه، ولا شك بأن هناك من يخالف هذا القول.
وفي تفسير التحرير والتنوير للعلامة ابن عاشور (ت1393هـ) فنجد في المقدمة الثامنة (اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها) أنه يعرف الآية بقوله – رحمه الله -: (الآية: هي مقدار من القرآن مركب ولو تقديراً أو إلحاقاً) ثم شرح تعريفه هذا بقوله: فقولي ولو تقديراً لإدخال قوله تعالى: (مدهامتان) إإذ التقدير هما مدهامتان، ونحو (والفجر) إذ التقدير أقسم بالفجر، وقولي أو إلحاقاً: لإدخال بعض فواتح السور من الحروف المقطعة، فقد عد أكثرها في المصاحف آيات ما عدا: ألر، وألمر، وطس، وذلك أمر توقيفي وسنة متبعة ولا يظهر فرق بينها وبين غيرها) (8).
وقد جمع الفيروزأبادي في بصائر ذوي التمييز بين المعنى اللغوي والاصطلاحي للآية فقال: (سميت آية القرآن آية لأنها علامة دالة على ما تضمنته من الأحكام، وعلامة دالة على انقطاعه عما بعده وعما قبله، أو لأنها فيها عجائب من القصص والأمثال والتفصيل والإجمال والتميز عن كلام المخلوقين، ولأن كل آية جماعة من الحروف، وكلام متصل المعنى إلى أن ينقطع وينفرد بإفادة المعنى) (9).
[ب] الفاصلة:
الفصل في اللغة: البت والقطع، يقال: فصلت كذا عن كذا: يعني قطعته عنه.
أما في الاصطلاح: فقد عرفها الجعبري في حسن المدد بقوله: وحدُّ الفاصلة: كلمة أخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع) (10).
وفي البرهان للزركشي نجد قوله: (وهي كلمة آخر الآية: كقافية الشعر، وقرينة السجع.
وقال الداني: كلمة آخر الجملة.
وقال القاضي أبو بكر: الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع، يقع بها إفهام المعاني (11).
ويبدو أن الزركشي يختار قول الجعبري لأنه صدَّر به تعريف الفاصلة، فالفاصلة على تعريف الجعبري: هي الكلمة الأخيرة في الآية، مثل القافية التي تكون آخر بيت الشعر، ومثل السجعة وهو الكلمة الأخيرة في النثر.
وتقع الفاصلة عند الاستراحة في الخطاب لتحسين الكلام بها، وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام، وتسمى (فواصل) لأنه ينفصل عندها الكلامان، وذلك أن آخر الآية فصل بينها وبين ما بعدها، ولم يسموها أسجاعاً.
فأما مناسبة فواصل، فلقوله تعالى: (كتاب فصلت آياته) (12).
إلا أن الداني قد فرق بين معنى الفاصلة ورأس الآية بقوله: (أما الفاصلة فهي الكلام التام المنفصل بعده، والكلام التام قد يكون رأس آية، وغير رأس، وكذا الفواصل يكنَّ رؤوس آي وغيرها، فكل رأس آية فاصلة، وليس كل فاصلة رأس آية، فالفاصلة تعم النوعين، وتجمع الضربين [ولأجل كون معنى الفاصلة هذا ذكر سيبويه في تمثيل القوافي (يوم يأتي) و (ماكنا نبغ) وهما غير رأس آيتين بإجماع، مع (إذا يسر) وهو رأس آية باتفاق] (13).
¥