إلا أن الجعبري – رحمه الله – اعترض عليه فيما ذهب إليه من التفريق بين الفاصلة ورأس الآية فقال في كتاب حسن المدد في فن العدد: وحد الفاصلة: كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع، وقال الداني: كلمة آخر الجملة. وهو خلاف المصطلح، ولا دليل له في تمثيل سيبويه بـ (يوم يأتي) و (مكنا نبغ) وليسا رأس الآية؛ لأن مراده الفواصل اللغوية لا الصناعية، ويلزم أبا عمرو (أي الداني) إمالة (من أعطى) لأبي عمرو (أي البصري) (14).
ويقول العلامة طاهر الجزائري (ت1338هـ) بعد أن أورد في كتابه (التبيان) كلاماً مقارباً في عباراته لكلام الجعبري، يقول: (وأورد عليه أن ذلك مخالفٌ لمصطلح القراء ولا دليل له في تمثيل سيبويه بـ (يوم يأتي) و (ماكن نبغ) ليسا رأس آية؛ لأن مراده الفواصل في مصطلح النحويين وهي عندهم تعم النوعين) (15).
وأما العلامة ابن عاشور فبين رأيه في هذه المسألة بقوله: =والذي استخلصته أن الفواصل هي الكلمات التي تتماثل في أواخر حروفها، أو تتقارب صيغ النطق بها، وتكرر في السورة تكراراً يؤذن بأن تماثلها أو تقاربها مقصود من النظم في آيات كثيرة متماثلة تكثر وتقل وأكثرها قريب من الأسجاع في الكلام المسجوع، والعبرة فيها بتماثل صيغ الكلمات من حركات وسكون، وهي أكثر فيها بالتزام ما لا يلزم في القوافي، وأكثرها جار على أسلوب الأسجاع.
والذي استخلصته أيضاً أن تلك الفواصل كلها منتهى لآيات، ولو كان الكلام الذي تقع فيه لم يتم فيه الغرض المسوق إليه، وأنه إذا انتفى الغرض المقصود من الكلام ولم تقع عند انتهائه فاصلة لا يكون منتهى الكلام نهاية آية إلا نادراً كقوله تعالى: (ص والقرآن ذي الذكر). فهذا المقدار من آية وهو لم ينته بفاصلة ومثله نادر، فإن فواصل تلك الآيات الواقعة في أول السورة أقيمت على حرف مفتوح بعده ألف مد بعدها، وفي مثل: شقاق، مناص، كذاب، عجاب.
وفواصل بنيت على حرف مضموم مشبع بواو، أو على حرف مكسور مشبع بياء ساكنة، وبعد ذلك حرف مثل (أنتم عنه معرضون) (إذ يختصمون) (نذير) (مبين) فلو انتهى الغرض الذي سيق له الكلام، وكانت فاصلة تأتي بعد انتهاء الكلام تكون الآية غير منتهية ولو طالت كقوله تعالى: (لقد ظلمك بسؤال نعجتك) إلى قوله: (وخر راكعا وأناب) فهذه جمل كلها عدت آية واحدة) (16). انتهى.
وقد يطلقون اسم الفواصل على الحروف الأواخر منها، وذلك في مثل قولهم: الفاتحة الميم والنون يريدون أن آخر فواصلها قد يكون حرف الميم نحو: (الرحيم) وقد يكون حرف النون في (نستعين) وقد تصدى كثير من العلماء لبيان فواصل جميع السور على هذا الوجه.
إلا أنَّ بعضهم رأى أن يجمع ما كان منها على أكثر من حرف في كلمة أو كلمتين، فيقول فيما سبق فواصل الفاتحة (من)، وفواصل عمّ (منا)، لأن هذا مع ما فيه من الإيجاز أقرب إلى الحفظ والاستقرار في الذهن) (17)
ومن أبرز الكتب في هذا الجانب كتاب بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي (ت817هـ) حيث يقول – رحمه الله -: (كل سورة تشتمل على ثمانية متعلقة بالسورة: الأول موضع نزولها، الثاني عدد آياتها وكلماتها، وحروفها، والآيات المختلف فيها، والثالث بيان مجموع فواصلها)
(18).
وقال – رحمه الله – في موضع آخر: (بصيرة (يا أيها الناس اتقوا ربكم)
هذه السورة مدنية بإجماع القراء.
وعدد آياتها مائة وخمس وسبعون في عد الكوفي، وست في عد البصري، وسبع في عد الشامي وكلماتها ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وأربعون، وحروفها ستة عشر ألف وثلاثون حرفاً، والآيات المختلف فيها (أن تضلوا السبيل) , (عذابا أليما)
مجموع فواصل الآيات (م ل ا ن) يجمعها قولك (ملنا) فعلى اللام آية واحدة (السبيل) وعلى النون آية واحدة (فيهن) وخمس آيات منها على الميم المضمومة وسائر آياتها على الألف ... ) (18).
وكذلك كتاب شرح العلامة المخللاتي (ت1311هـ) الموسوم بـ (القول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز) وهو شرح لناظمة الزهر للإمام الشاطبي (ت590هـ).
¥