تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهو بهذا مرادف للائتناف الذي يقول فيه ابن منظور: «اسْتَأْنَفَ الشيءَ وائتَنَفَه: أَخذ أَوّله وابتدأَه» ().

الابتداء في الاصطلاح:

لم يحفل المتقدمون ببيان معنى الابتداء اصطلاحا، ولا شك أن له علاقة بالمعنى اللغوي، لكن ما نوع هذه العلاقة؟

المتأخرون درجوا على هذا التعريف: «هو الشروع في القراءة بعد قطع أو وقف»، ومنهم: المرصفي () وإبراهيم الجرمي () وعبد الكريم إبراهيم () وعبد العلي المسئول () وغيرهم.

فالشروع في القراءة بعد قطع موافق للابتداء والائتناف في اللغة، أما الشروع بعد وقف فموافقته ليست ظاهرة؛ إذ الابتداء كما تقدم: فعل الشيء أولُ، والشارع في القراءة بعد وقف مستمرٌّ في قراءته، وبهذا يمتاز التعريف اللغوي عن الاصطلاحي. والله أعلم.

المبحث الثاني: حصر أسباب الاختلاف

اتضح مما تقدم أن أسباب الاختلاف في الوقف والابتداء هي تلك الملابسات التي تؤدي إلى تعدد آراء العلماء في تحديد نوعِ الوقف في الكلمة القرآنية المراد الوقوف عليها، ونوعِ الابتداء بما بعدها، وسأحاول حصرها فيما يأتي إن شاء الله تعالى، منطلقا في ذلك من هذا النقل النفيس:

قال أبو جعفر النحاس: «ذكر لي بعض أصحابنا عن أبي بكر بن مجاهد أنه كان يقول: لا يقوم بالتمام إلا نحوي، عالم بالقراءات، عالم بالتفسير، عالم بالقصص وتلخيص بعضها من بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن.

وقال غيره: يحتاج صاحب علم التمام إلى المعرفة بأشياء من اختلاف الفقهاء في أحكام القرآن؛ لأنه من قال من الفقهاء: لا تقبل شهادة القاذف ـ وإن تاب ـ فإن الوقف عنده: ?وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً? ... ومن قال: تجوز شهادته إذا تاب كان الكلام عنده متصلا، والوقف عند: ?فإن الله غفور رحيم?» ().

وقال الإمام الهذلي، وهو يتحدث عن كتابه "الجامع في الوقف والابتداء": «بينت فيه وقف الفقهاء، والصوفية، والمتكلمين، والقراء، وأهل المعاني ... » ().

وقد تناقل الناس قول الإمام النحاس، واحتفلوا به؛ وقد جعلته كالأساس لبحثي هذا؛ إذ إنه عدد الأسباب الرئيسة للاختلاف في الوقف، وجعلها ستا؛ خمس في قول ابن مجاهد، وهي: النحو، والقراءات، والتفسير، والقصص، ولغة القرآن. وسادس في قول غيره، وهو الفقه.

وقد فرعتُ عن لغة القرآن سببين، هما: كمالُ الإعجاز، وعلمُ البلاغة، وقد ذكرهذا الأخير الإمام الهذلي، كما أضفت أسبابا أخرى لها تأثير قوي في الاختلاف في الوقف، وهي: المذهب العقدي، وقد ذكره الإمام الهذلي أيضا، والسياق، وعد الآي، ورسم المصحف، والحديث قبولا وردا، فصارت اثني عشر سببا من أسباب الاختلاف، وهي كما يلي:

1. الإعراب

2. التفسير

3. الحديث قبولا وردا

4. رسم المصحف

5. السياق

6. عد الآي

7. علم البلاغة

8. القراءات

9. القصص

10. كمال الإعجاز

11. المذهب العقدي

12. المذهب الفقهي

المبحث الثالث: أسباب الاختلاف في الوقف والابتداء

غير خاف أن كثيرا من هذه الأسباب متداخلة فيما بينها. وقد رأيت أن أرتبها ترتيبا أبجديا؛ لأن أيَّ ترتيب آخر قد تختلف فيه أنظار الناس، ويكون قابلا لأخذ والرد. وهذا شروع في المقصود.

السبب الأول: الإعراب

يكاد يكون الإعراب هو السبب الغالب في الاختلاف في الوقف والابتداء، وبينه وبين الأسباب الأخرى تداخل ملحوظ. وعلماء هذا الفن إذا ذكروا موقفا مختلفا فيه فأول ما يعللون به الاختلاف هو الإعراب، لذلك كانت أمثلته كيرة تند عن الحصر، وأكتفي منها بهذا المثال:

قوله تعالى: ?ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين?، فالوقف على ?لا ريب? يعانق الوقف على ?فيه?، وإما حاء هذا التعانق ـ وهو جزء من الاختلاف في الوقف ـ من اختلاف الإعراب.

يقول نظام الدين النيسابوري: «?لا ريب? (ج) () على حذف خبر لاَ، تقديره: لا ريب فيه، ثم يستأنف: ?فيه هدى?. ومن وصل جعل ?فيه? خبر ?لا?، أو وصف ?ريب? وحذف خبر ?لا? تقديره: لا ريب فيه عند المؤمنين. والوقف على التقديرين على ?فيه?» ().

السبب الثاني: التفسير

من أوضح الأمثلة على ذلك ما ذكره نظام الدين النيسابوري بقوله:

«قوله سبحانه وتعالى: ?ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والأقربون? يمكن تفسيره بحيث يكون الوالدان والأقربون وارثين وبحيث يكونان موروثاً منهما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير