فانظر كيف جزم أولابإمالة رءوس الآى عنه ثم حكى الفتح وانفرد عن ((التجريد)) وجزم بمخالفته جميع الروايات، ومعنى قولهم:
وانفرد: شذ إذ الشاذ والمفرد واحد كم عليه ابن الصلاح وغيره، والشاذ ماخلف فيه الثقه جميع الثقات كما عليه لإمام الشافعى وأكثرالصحابه، أو ما خالف فيه الاثقه من هو أوثق منه كما عليه ابن حجر العسقلانى ومن تبعه، فإن قلت: هذا عند المحدثين، أما عند القراء فهو ماخف أحد الأركان الثلاثه التى هى موافقة الرسم، ووجه من وجوه العربية وصحه الإسناد، قلت: هذا غلط نشأ من عدم معرفة صحة الإسناد، قال فى النشر: وقولنا صح سندها فإنما نعنى به أن يروى تلك القراءة العدل الضابط عن مثله وهكذا حتى ينتهى وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ به بعضهم أهـ.
فانظر قوله: وتكون ذلك مشهورة ... إلخ فصرح بأنه يشترط مع نقل العدل الضابط عن مثله وهكذا ألا يشذ بها وهذا بعينه هو ماذكره المحدثون فإنهم قالوا فى تعريف الصحيح ذلك، قال القرافى فى ألفيته:
واهل هذا الشأن قسموا السنن ... إلي صحيح وضعيف وحسن
فالأول المتصل الإسناد ... بنقل عدل ضابط الفؤاد
عن مثله من غيرما شذوذ ... وعلة قادحة فتوذي
ثم قال في باب الشاذ:
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة **فيه الملا فالشافعي حققه
ولا يقال لا يلزم من تفرد الراوي شذوذه كما هو مقرر في محله.
قلت: نعم لا يلزم لكن الكلام في الشاذ المردود، وقال شيخ الإسلام في شرح ألفية القرافي: فالشاذ المردود كما قال ابن الصلاح قسمان:
أحدهما: الحديث المفرد المخالف وهو ما عرفه الشافعي
ثانيهما: المفرد الذي ليس فيه رواية الثقة والضبط ما يقع جابرًا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف. اهـ
وما نحن فيه من القسم الأول بقرينة قول ابن الجزري " فخالف جميع الرواة عن الأزرق" فما ذكره صاحب التجريد شاذ علي المذخبين وأجمع الفقهاء والقراء والأصوليون علي أن الشاذ ليس بقرآن كما قال النويري في شرح الطيبة وتحرم القراءة به.
فإن قلت: مستند ذلك قول الشاطبي " وَلكِنْ رُءُوسُ الآيِ قَدْ قَلَّ فَتْحُهَا" فظاهره أن له الفتح والإمالة في رءوس الآي، قلت: شراحه أعلم بمراده وقد قال ابو شامة: وَلكِنْ رُءُوسُ الآيِ قَدْ قَلَّ فَتْحُهَا لَهُ غَيْرَ مَاهَا فِيهِ فَاحْضُرْ مُكَمَّلاَ
يعني أن رءوس الآى لا يجري فيها الخلاف المذكور بل قراءته لها على وجه واحد وهو بين اللفظين وعبر عن ذلك بقوله قد قل فتحها يعني أنه قلله بشيء من الإمالة وقد عبر عن إمالة بين بين بالتقليل في مواضع كقوله وورش جميع الباب كان مقللا والتقليل جادل فيصلا وقلل في جود وعن عثمان في الكل قللا
ووقع لي في ضبط ذلك بيتان فقلت، (وذو الراء ورش بين بين وفي رءوس الآى سوى اللاتي تحصلا)، (بها وأراكهم وذي اليا خلافهم كلا والربا مرضاة مشكاة أهملا)
فذكر أولا ما يميله بلا خلاف ثم ما فيه وجهان ثم امتنعت إمالته "ا. هـ
قال الجعبري:
اي قلل ورش باتفاق ألفات فواصل الإحدي عشرة فجزم بذلك ولم يعتبر المخالف القائل بالفتح لشذوذه مع أنه ذكره آخرا وقيل: قل وجه الفتح يفهم منه كثرة وجه التقليل ويجري فيها خلاف غيرها وهذا الاحتمال صحيح من جهة النقل كما بينت احتمال التيسير وقطع مكي وابن شريح والحصري بالإمالة والصقلي بالفتح ويؤيده فصل الفاصلة عن المختلف علي اختلاف ترجيح الإمالة) ا. هـ
علي أن قوله: وهذا الاحتمال صحيح من جهة النقل ناقضة في باب اللامات في شرح (وعند رؤوس الآي ترقيقها اعتلا)،حيث قال: ووجها الفاصلة مفرعان علي الإمالة ومن عبر بترقيقها عن إمالتها يلزم منه وجه فتح غير مقبول) ا. هـ
فانظر قوله: "مفرعان " أي التغليظ والترقيق على الإمالة وارتكب هذا وإن كان العمل خلافه كما بينته، هروبا من كون التغليظ مع الفتح في رؤوس الآي ورد من أراد ذلك بأنه يلزم منه وجه فتح رؤوس الآي غير منقول، فإن قلت: هو قد نقل الفتح عن الصقلي فحينئذ لم ينفرد صاحب " التجريد" بالفتح، فقول النشر: "وانفرد " مرود، قلت الصقلي هو صاحب التجريد قال في النشر في ذكر الكتب كتاب التجريد تأليف الأستاذ أبي القاسم عبد الرحمن ابن أبي بكر عتيق بن خلف الصقلي المعروف بابن الفحام وبهذا يرد علي من ادعي أن ابن الفحام هو أبو القاسم
¥