وقد علل جمع من النحاة عمل المصدر، مع أنه اسم، بأنه أشبه الفعل من جهة كونه يدل على الحدث، والفعل فرع عليه من جهة الاشتقاق لا العمل، لأنه يدل على الحدث وزيادة، فيدل على الحدث وزمن وقوعه معا: دلالة مطابقة، بخلاف المصدر فإن دلالته المطابقة لا تكون إلا على الحدث فقط، فصار الفعل فرعا على المصدر في الاشتقاق، وصار المصدر فرعا على الفعل في العمل.
ومن علامات المصدر العامل أن يخلفه:
أن المصدرية ومعمولها: كما في قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ)، فتقدير الكلام: ولولا أن يدفع الله الناس، أو: ولولا أن دفع الله الناس.
أو: ما المصدرية ومعمولها: كما في قوله تعالى: (تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ)، فتقدير الكلام: كما تخافون أنفسكم.
والفرق بين المصدر واسم المصدر: أن المصدر، كما عرفه ابن هشام، رحمه الله، هو: اسم الحدث الجاري على الفعل، كـ: "تكليم" من: "كلم"، بخلاف اسم المصدر فهو، وإن دل على الحدث دلالة مطابقة كالمصدر إلا أنه لا يجري على الفعل كـ: "كلام" من "كلم"، و "غسل" من "اغتسل" فمصدره: "اغتسال".
ومن علامات ضعف المصدر كثرة الشروط اللازمة لعمله، وقد أوصلها ابن هشام، رحمه الله، إلى ثمانية شروط، وهي ترجع في مجملها إلى:
الاحتراز عن كل ما يقوي المصدر في باب الاسمية، إذ الأصل في الاسم ألا يعمل، ولذا لا يعمل:
المصدر المصغر: لأن التصغير لا يكون إلا في الأسماء.
و: المصدر المجموع: لأن الجمع من خصائص الأسماء، فالجمع لا يكون إلا لذوات، لا معان، لأن المعاني تنزل منزلة أسماء الأجناس التي تدل على القليل والكثير، فلا حاجة إلى جمعها، ولذا لا يجمع الفعل لأنه ينحل عن مصدر وزمن، والمصدر: اسم جنس معنوي يدل على المعنى قليلا كان أو كثيرا، فلا حاجة إلى جمعه، كما تقدم، بخلاف الذوات التي تدل عليها الأسماء، فإنها تجمع إذا أريد بيان كثرتها، فإذا كان الاسم دالا على معنى، كالمصدر، فقد أشبه الفعل من جهة عدم جواز جمعه.
ويرد على ذلك: أن المصدر المجموع قد ورد به السماع، بديل الاحتراز منه في هذا الباب، ولو كان ممنوعا لما كان للاحتراز منه معنى، إذ لا فائدة من الاحتراز من معدوم لا وجود له، وقد استدل على ذلك بنحو قول الشاعر:
اسْتَقْدِرِ اللَّهَ خَيْراً وَارْضَيَنَّ بِهِ ******* فَبَيْنَمَا العُسْرُ إِذْ دَارَتْ مَيَاسِيرُ
فـ: "مياسير" على قول بعض أهل العلم: جمع ميسور، وهو مصدر بمعنى: "اليسر".
وكذا في قول الشاعر:
وعدت وكان الخلف منك سجية ******* مواعيد عرقوب أخاه بيترب
وهو البيت الذي استدل به من أجاز عمل المصدر مجموعا، لأن: "مواعيد" جمع: "موعد" أو "ميعاد".
والجواب: أن ذلك غير مطرد في لغة العرب، فينزل منزلة الضرورة، وهذا اختيار ابن مالك، رحمه الله، في جماعة من المحققين.
والمصدر المحدود: لأن حد اللفظ بواحد من جنسه أو اثنين أو ثلاثة ....... إلخ من علامات الاسم، فالفعل لا يقبل التثنية أو الجمع، كما تقدم في أكثر من موضع، ولذا حكم ابن هشام، رحمه الله، بشذوذ نحو:
يحايي به الجلد الذي هو حازم ******* بضربة كفيه الملا نفس راكب
فعمل المصدر المحدود بمرة: "ضربة" في المفعول: "الملا" وهو: التراب شذوذا.
والمصدر الموصوف قبل عمله: لأن الوصف، أيضا، من خصائص الأسماء، فإن جاء الوصف بعد المعمول جاز العمل، لأنه في هذه الصورة إنما عمل قبل وصفه، فطرأ عليه الضعف بعد العمل لا قبله، كما في قول الشاعر:
إن وجدي بك الشديد أراني ******* عاذرا فيك من عهدت عذولا
فعمل المصدر: "وجدي" في الجار والمجرور: "بك" قبل وصفه بالشدة، ولو وصف قبل العمل، كأن يقال: إن وجدي الشديد بك، لما جاز إعماله.
ومن علامات ضعفه أيضا:
أنه لا يعمل مضمرا: بخلاف الفعل الذي يعمل مضمرا ومظهرا، كما تقدم، وأجاز الكوفيون عمله مضمرا استدلالا ببيت زهير:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ******* وما هو عنها بالحديث المرجم
¥