تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولك بأنه لم يقل أحد من المتقدمين ولا المتأخرين بذلك, قول يحصر العلم في أولائك, وكأنهم قرآن لا يزيد ولا ينقص, فاسمح لي أن أقول لك أن علوم اللغة تتطور وما لم ينتبه إليه متأخرونا ربما ننتبه إليه اليوم, ولا ينقص ذلك من منزلتهم في حضارتنا ولا من مكانتهم في نفوسنا شيئا.

أما عدم فهمك الفرق بين التغير بفعل تحكم عنصر في عنصر آخر وبين التغير بفعل الوظيفة في الجملة, فأنا أوضحه لك ولغيرك أكثر.

التحكم في اللغة هو أن يلزم عنصر في الجملة عنصرا آخر بصورة ليس عليها العنصر الأول, كأن يلزم الفعل المفعول به بالنصب, ويلزم حرف الجر المجرور بالكسر, وغير ذلك. أي يكون ثمة عنصر في الجملة يتحكم في عنصر آخر فيجعله على حالة إعرابية يحددها هو, ولا تكون فيه. (على اختلاف أن النصب في الأفعال ليس مثل النصب في الأسماء) فإذا كان هو عليها تكلمنا إذن عن الاتباع وهو أن يتبع عنصر عنصرا آخر في خصيصة أو أكثر.

ربما يبدو هذا الكلام غريبا عليك, ولكنه كلام لساني عام به تحلل كل لغة تظهر خصائص إعرابية, ومنها العربية.

وعلى ذلك فالتغير بفعل تحكم عنصر في عنصر آخر هو أن يلزم العنصر الأول العنصر الثاني بحالة إعرابية لا تكون المطلقة, لأن المطلقة لا يلزمها أحد, بل هي موجودة بالضرورة, أما الحالات الأخرى فلا تكون بداية إلا في الكلمات الشاذة, فالفعل ينصب المفعول به, لكنه لا يرفع الفاعل لأن الفاعل اسم جاء على حالته المطلقة ولم يتغير بتحكم أي عنصر فيه, ولكن الفاعل يخضع الفعل إذا جاء هذا الأخير بعده إلى التبعية في الجنس والعدد. ولذلك لا نتكلم في اللسانيات عن تحكم الفعل في الفاعل إذا جاء الفاعل على الحالة المطلقة, أما إذا تغير عنها, فعندها يكون تحكم فيه.

أما الوظيفة النحوية فهي أن تكون وظيفة عنصر في الجملة هي التي تلزمه بحالة إعرابية محددة, مثل النصب للحال والظروف والمفاعيل فيها الطلبية والسببية, فهي تأتي منصوبة ليس بفعل أي عنصر آخر, بل بحكم وظيفتها في الجملة.

إما إقرارك بأن إسقاط الناسخ من الجملة لا يجعلها غير سليمة, فهذا إقرار بأن الناسخ زائد تركيبي معنوي, وأنا لم أقل أن الجملة به هي نفسها من دونه, بل قلت أن الناسخ لم يدخل زائرا غير مؤثر, بل هو مؤثر في المعنى والتركيب, ولذلك أرجوك أن تقرأ ردي قبل أن ترد عليه.

ثم أنت أقررت أن إسقاط الناسخ إسقاط للمعنى والحكم, وأنا أقررت الشيء نفسه, فعندما أقول أن الناسخ يؤثر في المعنى والتركيب, فأنا أقر بأن التغير المعنوي حاصل والتركيبي حاصل, والتركيبي هو الذي عبرت أنت عنه بالحكم, وإسقاط الحكم أي التغيير التركيبي الذي أدخله الناسخ في الجملة, يلزم معه إرجاع الجملة إلى حالتها الدنيا. واعتراضك نابع من أنك تتصور الجملة المنسوخة أصلية بدليل أنك تلفظها أصلا, أي لا تلفظها بلا ناسخ ثم تضيف إليها ناسخا, وأنا رددت على ذلك أن المتكلم يتخير من ثروته اللفظية والنحوية ما يفيد المعنى الذي يريد التعبير عنه, فإذا وجد أنه لا يستقيم إلا بناسخ أضاف الناسخ منذ البداية وعبر به. والتغير المعنوي أمر لا نختلف فيه إذ تفيد "ليت" التمني, وغيرها غيرَه. وهذه فعل النواسخ في الجملة, تتحكم في عنصر وتضيف معنى لم يكن فيها. وهي كما قلت حروف مشبهة للفعل, ولكنها ليست أفعالا, لأنها قابلة للإسقاط عكس الأفعال التي تكون محور الجملة في العربية إليها يسند وهي تتحكم.

أما قولك: "من قواعد النحاة: "ليس في كلام العرب عامل يعمل النصب إلا ويعمل الرفع" فهذا منبن على فهم نحوي ساد يفترض الرفع حالة يأتي بها العامل, وهو غير ذلك, فالرفع في المبتدإ لا عامل له غير الوظيفة في الجملة, وبذلك أجيبك عن استفسارك, فالمبتدأ مرفوع ولم يدخل عليه ما يغيره وظل كذلك, والأمر نفسه بالنسبة إلى الخبر غير أن بينهما أحيانا علاقة تبعية, لا علاقة تحكم, فالخبر يتبع المبتدأ في الجنس والعدد أحيانا وتظل التبعية في التعريف والتنكير رهينة المعنى, فالعام أن المبتدأ معرف والخبر منكر, وإذا عرف كلاهما نأتي أحيانا بالضمير الزائد بينهما لنفرق بين الجملة الاسمية وبين النعت والمنعوت. (السماء زرقاء / السماء الزرقاء / السماء هي الزرقاء) ولذلك تفصيل آخر.

وعند دخول متحكم من فئة \إن وأخواتها\ فإن المبتدأ يتحول إلى النصب والخبر يظل على ما هو عليه ولا يتبع المبتدأ في النصب, ولذلك فالقول ببقاء المبتدإ على ابتدائه والخبر على خبريته أمر ممكن, لأن المتحكم عارض مغير للمبتدإ في الإعراب وليس في الوظيفة, أي أنه غير حركته الإعرابية ولم ويغير وظيفته بأنه مخبر عنه أي مبتدأ, فما زالت الجملة \إن السماء زرقاء\ إخبارا عن زرقة السماء على سبيل المثال والتغير في التوكيد, أو \ليت السماء زرقاء\ والتغير في كون الزرقة أمر يُطلب وجوده وعلى ذلك قس.

هذا وانقطع الحبل هنا. أرجو اجتناب الأساليب المستفزة في الأجوبة, فإن لا فإني أقسم بالله العظيم أني لن أرد بعد هذا الرد, لأن من يناقشني ليس رسول النحو ولست في مقام نقاش رسالة ماجستير أو غيرها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير