تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومثال ذلك قولنا: " رأيت محمدًا راكبًا الفرسَ " إن احتكمنا إلى المعنى هنا دون النظر إلى الصناعة النحوية قلنا إن " محمدًا " فاعلٌ لاسم الفاعل؛ لأنه كذلك في المعنى فمن فعل الركوب هو محمد، وهنا نقع في إشكال وقوعه مفعولاً به للفعل " رأيت "، فهل نقول إنه فاعل أم مفعول؟

تقديم الفاعل على فعله (زيد انطلق) تختلف عن الجملة التي عندنا هنا:

(رأيت محمدًا راكبًا الفرسَ)

فهذا البناء الظاهر له باطن، لأنه مؤلف من فعل+فاعل+مفعول به+حال+مفعول به:

رأيت محمدًا+راكب محمدٌ الفرسَ> رأيت محمدًا راكبًا × الفرس> رأيت محمدًا راكبًا الفرس.

ومعنى ذلك أن (محمدًا) مفعول به وأما فاعل (راكبًا) فمحذوف اكتفاء بورود لفظه في الجملة الأصلية وهذا ما يعبر عنه النحويون بالاستتار، فالخلاف هنا في الصناعة هم يقولون استتار وأقول بالحذف، ولو كان الفاعل مختلفًا ما حذف، مثل:

رأيت محمدًا راكبًا والدُه الفرسَ.

فيكون راكبًا حالا لسببي المفعول به.

ومثل ذلك قولنا: " محمدٌ كاتبٌ الدرسَ " فهل نقول إن محمدًا فاعل أم مبتدأ؟ فالمعنى وحده يجرنا إلى الفاعلية، وإن قلنا ذلك فكيف نعرب اسم الفاعل الذي يجب أن يأخذ موقعه في الجملة؟

نعرب (محمد) فاعل أما فاعل (كاتب) فمحذوف، والأصل:

محمد+ كاتب محمد الدرس>محمد كاتب×الدرس> محمد كاتب الدرس، ولو اختلف الفاعل لظهر:

محمد كاتبٌ صديقُه الدرس.

وهذا خبر لسببي المبتدأ كما ترى.

وفي مقاله الأخير ناقش موضوع النعت المقطوع، وأحببت لو تعرض أستاذنا أبو أوس لموضوع النعت السببي، فالنحاة يرون أن مجتهدًا في قولنا: " مررت برجلٍ مجتهدٍ ابنه " نعت لـ (رجل)، وهذا القول لا يتلاءم مع المعنى وحده، فالموصوف بـ (الاجتهاد) الابن وليس الرجل، فما رأي أبي أوس؟

هذا موضع وفق النحويون في وصفه حين قالوا إنه نعت للسببي بمعنى أن تبعيته للسابق هي تبعية شكلية ولكن هذه التبعية الشكلية لها ما يسوغها إذ المنعوت له نصيب من النعت لأنه نعت لسببيه، ولا تختلف هذه الجملة عن الجمل السابقة التي رأينا فاعل الوصف فيها ظاهرًا:

رأيت محمدً راكبًا والدُه الفرس (حال السببي)

محمد كاتب صديقه الدرس (خبر السببي)

مررت برجل مجتهد ابنه (نعت السببي)

فمن هنا يتضح أن النظر إلى المعنى وحده قد يؤدي إلى التباس الوظائف النحوية بين الكلمات، فالصناعة النحوية معتبرة في تفسير الظواهر اللغوية؛ لنوفق بين المعنى وسلامة التفسير.

قول صحيح فلا بد من مراعاة المعنى أولا ثم المبنى ثانيًا، دون أن نكبل أنفسنا بقيود بسبب تعميم نمط واحد، فلا نلزم أنفسنا بوجوب تأخر الفاعل عن الفعل وبوجوب رفعه بل نستقري حالات الرفع ونبينها وما سوى تلك الحالات ونبينها، بمعنى أن نجعل الأحكام النحوية منطلقة من وصف اللغة بشيء من المرونة في المعالجة بما يجعل نحو اللغة أكثر وضوحًا وأسهل فهمًا وتناولا.

أخي ابن بريدة

أرى مداخلتك مثرية للموضوع باعثة على التأمل والتفكير فلك شكري مرة أخرى لاهتمامك وتفاعلك.

ولك وللزملاء والقراء التحية والتقدير.

ـ[ابن بريدة]ــــــــ[10 - 01 - 2009, 10:53 ص]ـ

لك الشكر أستاذي أبا أوس، وعذرًا على التأخر في الرد لأني كنت بعيدًا عن الفصيح خلال الفترة الماضية.

نعرب (محمد) فاعل أما فاعل (كاتب) فمحذوف،

إن قلنا إن محمدًا فاعل فما إعراب ((كاتب)

النحاة يقولون بالاستتار وأنت تقول بالحذف، فهل من ثمرة لهذا الاختلاف أستاذي الكريم؟

أحب أن أعرف رأيك في كتاب (الرد على النحاة) لابن مضاء القرطبي، وما موقفك مما طرحه في الكتاب من إلغاء لنظرية العامل؟

لك من الشكر أجزله،،

ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[10 - 01 - 2009, 12:51 م]ـ

أخي الحبيب ابن بريدة

أشكرك لمواصلتك الحوار واعتذر من الخطأ والسهو الذي حصل في كتابتي

نعرب (محمد) فاعل أما فاعل (كاتب) فمحذوف، والأصل:

محمد+ كاتب محمد الدرس>محمد كاتب×الدرس> محمد كاتب الدرس، ولو اختلف الفاعل لظهر:

محمد كاتبٌ صديقُه الدرس.

وهذا خبر لسببي المبتدأ كما ترى. والصواب: نعرب (محمد) مبتدأ.

ويظهر لك هذا من الجملة الأخيرة في الاقتباس.

أما كتاب ابن مضاء فقال الدكتور تركي العتيبي إن اسمه (المُشرق في الرد على نحاة المَشرق)، وأقول إن ابن مضاء لا ينكر العامل لعلة لغوية بل لعلة عقدية، ويستشهد بقول ابن جني في غير محل الاستشهاد، وهو مع إنكاره العامل قال به في ثنايا كتابه، وهو مصيب في كون العلل الثواني والثوالث غير مفيدة للمبتدئ بتعلم العربية، ولكن تلك العلل في الحقيقة مهمة للمتخصص في علم النحو.

النحو العربي نتيجة جهود عقلية عظيمة تخر لها الهامات احترامًا وإجلالا، ومن الظلم لهذا العمل العظيم أن يحنط ويسجن في كبسولات بل علينا معاودة بعثه وبحثه والاستفادة منه ومواصلة عمل الأجداد بمزيد من الإيضاح.

وسألتني ما الثمرة من القول بالحذف في مقابل الإضمار، وأقول إن الفاعل هو الاسم الظاهر فإن لم يظهر فهو محذوف يدل عليه دليل مقالي أو حالي، والمقالي يكون في علامات المطابقة. والحالي قرينة التكلم أو الخطاب. وأما القول بالاستتار فخيال لا مسوغ له.

تحياتي لك وشكري.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير