تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويتمُّ صيد هذا الحيوان بطرق مختلفةٍ، منها استعمال المصايد كما كان يفعل أهل منطقة "ودان" ([24])، أو مطاردته بالخيل، حيث يذكر الحسن الوزان أنَّ بعضهم كان يختبر سرعة الخيل في صيده لشِدَّة سرعته، فإذا أدرك الجواد أو الفرس هذا الحيوان، قُدِّر ثمنه بألف مثقالٍ ومائة بعيرٍ ([25])، لكنَّه يُصطاد بسهولةٍ في الصيف لأنَّه يفقد أظلافه بسبب الحرارة وسرعة عدوه، فيتألم، ويمنعه الألم من العدو ([26]).

وينفرد النويري بقوله: إنَّ اللمط لا يملك مفاصل لركبه، لذلك فهو "لا يستطيع النوم إلا مستنداً إلى شجرة أو جدار، فإذا أُرِيدَ صيده عمد من يريد ذلك إلى تلك الشجرة التي هي في محلّ مظانّ نومه، فينشر أكثرها، ويترك منها يسيراً ليحمله، فإذا استند إليها سقطت وسقط بسقوطها، فيؤخذ ويُذبح ... " ([27]).

مناطق صناعة الدرقة اللمطية:

اختصت مدينة نول لمطة، بصناعة الدَّرق ([28])، فسمَّاها البعض "معدن الدَّرق" ([29])، وقد وجدت مدن أخرى عرفت هذا النوع من الصناعة، مثل مدينة كَاكُدَم؛ وهي مدينةٌ بأقصى المغرب، جنوبي البحر متاخمة لبلاد السودان ([30])، التي عرفت صناعة مختلف أنواع السِّلاح، بما فيها الدَّرَق اللَّمطية ([31])، كما اشتهرت مدينة أودغشت بالدَّرق الجيدة لكثرة حيوان اللَّمط بها ([32])، ويذكر الجغرافي ابن الفقيه (ق.4هـ/10م)، أنَّ أهل بلاد أنبية، من السوس الأقصى على مسيرة سبعين ليلة في براري ومفاوز، مثل أهل لمطة، معروفون بصناعة الدَّرق ([33]).

وقد نسبت بعض المناطق في بلاد المغرب إلى الدَّرق، ومنها منطقة قصر الدَّرق الواقعة بين طرابلس وقابس ([34])، وجبل "الدّرقة" الذي يقع بالقرب من مدينة تطوان ([35])، ولا يُستبعد وجود صناعة الدَّرق بهذه النواحي، رغم أنَّ المصادر لم تشر إلى ذلك.

طريقة صناعتها:

تصنع الدَّرق، غالباً، من الجلود ولا يستعمل فيها خشبٌ ولا معدنٌ ([36])، والدَّرقة اللَّمطية تُتَّخذ من جلد حيوان اللَّمط، ويفيد ابن خلدون أنَّها مُحكمة الدّباغ دون أن يُبيِّن المادة المستعملة في دباغتها ([37])، ومن المعروف أنَّ دباغة الجلود ببلاد المغرب تكون بنقعها في الماء فترةً تزيد أو تنقص بقدم الجلد أو حداثته ([38])، مع استعمال بعض النباتات مثل شجر القَرَظ ([39])، أو شجر "التاكوت"، النَّابت بوادي درعة ([40])، لكنَّ معالجة جلود اللَّمط كانت تتمُّ بنقعها في اللبن الحليب حولاً كاملاً ([41])، ويشير كلٌ من ياقوت الحموي (ت.626هـ/1229م) وزكريا القزويني (ت.682هـ/1283م)، إلى استخدام قشر بيض النعام مع اللَّبن ([42])، ويبدو أنَّ استخدام هذا الأخير كان مكلِّفاً جداً، فنقع عددٍ كبيرٍ من الجلود قد يحتاج إلى ملأ أحواضٍ كبيرةٍ من اللبن، ولعلَّ هذا ما ساهم في ارتفاع أسعارها، حيث بلغ ثمن الجيد منها -حسب ياقوت الحموي- ثلاثين ديناراً مؤمنية ([43])، وذكر الوزان أن ثمن جلد اللَّمط بمدينة فاس -على أيامه- بلغ ثمانية مثاقيلٍ ([44]).

ولا تذكر المصادر شيئاً عن الجلود بعد أن يحول عليها الحول، وتُخرَج من اللَّبن، ولا عن طريقة تزينها وتحليتها بالذَّهب، مع أنَّ بعضها تشير إلى وجود دَرقٍ لمطيةٍ مرصعةٍ بالجوهر ([45])، وأخرى بأغشية ديباج ([46]).

شهرتها:

ينفرد المسعودي (ت.345هـ/956م) بتفضيل الدَّرق المصنوعة من جلود الفيلة على الدَّرقة اللمطية ([47])، بينما تتفق أغلب المصادر على جودتها، حيث يذكر ابن الفقيه الهمذاني (ق.4هـ/10م) أنَّ "الدرقة اللمطية ليس عليها قياس" ([48])، ويقول عنها الإدريسي (ت548هـ/ 1154م):" ... لا شيء أبدع منها ولا أصلب ... ظهراً ولا أحسن ... صنعاً وبها يقاتل أهل المغرب لحصانتها وخفة محملها" ([49])،ويفيد ياقوت الحموي (ت.626هـ/1229م) أنَّ المحاربين لم يتحصنوا قط بأوقى منها ([50]).

ولا شك أنَّ النويري قد بالغ في مدحها عندما ذكر أنَّها" ... تردُّ طعنة الرُّمح ورشقة السَّهم، ومهما أصابها من الحديد انطوى، فإن تمكن منها ونُزع وبقي أثره، التحم في اليوم الثاني وخفي أثره" ([51])، وهو نفس ما فعله القزويني الذي أفاد بأنَّ جلدها " ... إن ضرب بالسيوف نَبَتْ عنه، وإن أصابه خدش أو بترٌ يُبل بالماء ويُمسح باليد فيزول عنه" ([52]).

واستمرَّت قوة الدَّرق اللَّمطية وفعاليتها حتى زمن الحسن الوزان (ق.10هـ/16هـ)، الذي ذكر أنَّ طلقات البنادق أصبحت تخترقها ([53]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير