تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

انتشارها:

لا تشير المصادر إلى الأسلحة التي كانت تتجهز بها الجيوش إلا نادراً، ولكنَّ هذه الإشارات، تؤكِّد أنَّ الدَّرقة اللَّمطية كانت مستعملةً بكثرةٍ في بلاد المغرب، حيث أنَّ باديس بن المنصور بن بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي، الملقب بـ نصير الدولة (374 - 406هـ/ 984 - 1016م)، غَنِمَ من جيش عمه حماد بن بلكين بن زيري (ت.419هـ/ 1029م) في الحرب التي دارت بينهما سنة 406هـ/1016م، في جملة ما غنم منه، "عشرة آلاف درقةٍ مختارة لمط" كما عبَّر عن ذلك ابن عذاري ([54]).

وكانت قبائل البربر تتسلَّح بها في حربها وسِلمِها، مثلما هو حال القبيلة المستقرة قرب حصن "بني زنديوي"، الواقع على الطريق من قسنطينة إلى بجاية، والتي أخبر الإدريسي (ق.6هـ/ 12م) أنَّ:" ... من عوائدهم التي هُمْ عليها أنَّ صغيرهم وكبيرهم لا يمشي من موضعه إلى موضع غيره إلا وهو شاكي السلاح بالسيف والرمح والدَّرَقة اللَّمْطية" ([55]).

الدرقة اللمطية في الأندلس:

عرف أهل الأندلس الدَّرقة اللَّمطية، ففضَّلوها على غيرها، لذا كان أمراء المغرب يجعلونها ضمن هداياهم إلى ملوكها وأمرائها، من ذلك أنَّ الأمير المغراوي الزناتي زيري بن عطيّة (ت391هـ/ 1000م) ([56])، أهدى إلى الحاجب المنصور بن أبي عامر سنة 381هـ/991م، في جملة هداياه، ألفاً من الدَّرق اللَّمْطية وأصنافاً من وحوش اللَّمط فجدَّدَ له عهده على المغرب ([57])، ويروي ابن عذاري، أن عبد الملك بن المنصور بن أبي عامر الملقب بـ المظفر، حين تولَّى الحجابة لـ "هشام بن الحكم" بعد أبيه، عقد للمعزَّ بن زيري بن عطية على فاس سنة397هـ/1007م، وقبض على ابنه المسمّى "معنصر" رهينةً ([58])، واشترط عليه " .... أن يعطيه في كل سنةٍ خيلاً ودرقاً ومالاً معلوماً يوصله إلى قرطبة ... " ([59])، واستمرَّ المعز في إرسال الدَّرق بعد موت "المظفر"، وتقديم أخيه عبد الرحمن (ت400هـ/1010م) ([60]) لحجابة الخليفة الأموي، هشام المؤيد، فبعث إليه عند تقليده بهديةٍ عظيمةٍ ضمَّت سبعمائة من الخيل وأحمالاً كثيرةً من درق اللَّمط ([61])، فسُرَّ بذلك عبد الرحمن، وشكر المعز، وسرَّح ابنيه إليه بعد أن كساهما وأرضاهما، وكتب للمعز عهده بتجديد ولاية المغرب كلِّه إلا مدينة سجلماسة، فإنَّه ولاَّها "وانودين بن خزرون اليفرني" وابن عمه "زيري بن فلفل"، على ما ضَمِناه إليه من الخيل والدَّرق وجملة من المال في كل سنةٍ، ورهنه كل واحد منهما ابنه ([62])، ويتبين من هذا أنَّ أمراء الأندلس كانوا حريصين على امتلاك الدَّرق اللَّمطية المغربية، حيث استغلوا ولاء أمراء المغرب للحصول عليها.

ويعتبر عصر المرابطين العصر الذي زاد فيه استعمال الدَّرقة اللَّمطية بالأندلس ([63])، حيث كَنَى بها المعتمد بن عباد عن المرابطين ([64])، عندما أراد أن يهدِّد الأذفونش ([65])، بجيوشهم، وذلك بعد ما أرسل إليه هذا الأخير مهدداً ومستهزئاً، طالباً مراوح ليروح بها عن نفسه ويطرد بها الذُّباب، فكتب المعتمد بخط يده في ظهر الرقعة: "قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك وسأنظر لك في مراوح من جلود اللَّمط تروح منك لا عليك إن شاء الله"، فلما وصلت رسالة ابن عبادٍ الأذفونشَ، وقُرِئت عليه وفهم مقتضاها، "أطْرَقَ إِطْراقَ من لم يخطر له ذلك ببالٍ" ([66])، ويُستنتج من هذا، أنَّ الدرقة اللمطية ارتبطت في هذه الفترة بجيوش المرابطين، حتى أصبحت تطلق للدلالة عليهم، وكان هذا الأمر معروفاً عند النصارى في شمال الأندلس.

وعندما استغاث أهل الأندلس بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين، أرفق ردَّه إليهم، بـ درقٍ لمطية " ... مِمَّا لا يكون إلا في بلاده" ([67])، وكان إرسالها إيذاناً بإرسال الجيوش، التي عبرت إليهم لتشارك في معركة الزلاَّقة الشهيرة سنة479هـ/1086م، " ... بدَرق اللَّمط وسيوف الهند ومزاريق الران ... " ([68])، وكان النصر من نصيبها.

وقد أشاد شعراء الأندلس بالدرقة اللمطية، فقال عنها إدريس بن اليمان أبو علي اليابسى:

إلى مُوَقَّحَة الأَبْشَارِ من دَرَقٍ ... يَكَادُ منْها صَفَا الفُوَلَاذِ يَنْفَطِرُ

مُؤَنَّثَاتٍ ولَكِنْ كُلَّمَا قُرِعَتْ ... تَأَنَّثَ الرُّمْحُ والصَّمْصامةَ الذَّكَرُ ([69]).

وقال آخر في وصفها أيضاً:

جَاءَتْكَ فَادِيَة الكُماةِ بِنَفْسِهَا بَيْضَاَء يَغْمُرُهَا العَجَاجُ فتَسْطَعُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير