من أجل انتزاع اعتراف, و إنما لانتزاع نفي التهمة التي يحققون فيها". (24)
توجت السنوات الأولى لاضطهاد الناصريين بنشر ديوقليانو و كالينيو مرسوم سنة 303م. كانت المحاولة الأخيرة للقضاء على النصرانية. صودرت الكنائس, حُرقت الأناجيل و أصبح الناصريون خارج حماية القانون. سُمِح باضطهادهم و حُرموا من حق الدفاع عن النفس. عندما عُلِّق المرسوم لأول مرة على باب إحدى الكنائس, انتزعه ناصري فتم حرقه في الحين حيا على نار هادئة. لقد توجه الاضطهاد تحديدا إلى أولئك الذين عُرفوا كأتباع للمسيح, أما النصارى أتباع بولس فقد شرعوا في الانخراط في أجهزة الإمبراطورية الرومانية: " تحت حكم ديوقليانو, أخفى البلاط, مجالس القضاء و حتى الجيش, العديد من النصارى الذين حاولوا الجمع بين مصالحهم الآنية و مصالح الحياة الآخرة" (25).
ديانة بولس, التي لم تجد ترحيبا في البداية, وجدت شعبية لها بعد تدمير معبد القدس سنة 70م. و بعد القمع الهمجي لثورة اليهود سنة 132م لم يعُد أتباع بولس يتعرضون للاضطهاد بنفس القسوة التي كان يتعرض لها أتباع و موسى و عيسى. كان يُغض الطرف عنهم لأنهم لم يولدوا يهودا. قال جيبون: "لما نشأت المجتمعات العديدة الغنية في المدن الكبرى في الإمبراطورية: في أنطاكية, الإسكندرية, أفيسوس, كورنثة, روما, تقلص الاحترام الذي كانت أورشليم توحي به إلى المراكز المسيحية, و سرعان ما وجد اليهود المرتدون إلى المسيحية, أو كما سموا فيما بعد "النصارى" – نسبة إلى مدينة الناصرة و الذين وضعوا أساس الكنيسة – نقول وجدوا أنفسهم و قد طغت عليهم الجموع المتزايدة الذين انضموا تحت راية المسيح من مختلف مذاهب الشرك. و رفض الأمميون –بموافقة رسولهم الخاص – ثقل الطقوس الموسوية الذي لا يحتمل, و أبوا آخر الأمر لإخوانهم, الذين هم أكثر غيرة على الحق, نفس التسامح الذي تضرعوا هم في بداية الأمر من أجله. " (26).
القطيعة النهائية بين أتباع المسيح و أتباع بولس
هكذا, و بعد فترة وجيزة على رحيل المسيح عن العالم حدثت قطيعة نهائية و تدريجية بين من اتبعه و من اتبع بولس. لم تكن الفوارق بينهم فقط في نمط العيش و الاعتقاد, و إنما تمايزوا حتى جغرافيا. فبينما انتشرت النسخة البولسية من النصرانية في اليونان و منها في أوربا, توسع أتباع المسيح و تابعوهم عبر الشرق و الجنوب, و مع مرور الوقت, عبر شمال إفريقيا. تعاليم المسيح انتشرت كذلك في الشمال و اعتنقها القوط في النهاية.
كانت الكنيسة البولسية كلما وطدت دعائمها ازدادت عداءا لأتباع المسيح. لقد كان من المثير للشكوك و الجدل أن ينجوا بجلده من يؤمن بعيسى على أنه المسيح و يستمر في أداء تعاليم شريعة موسى. لقد نُبذ الناصريون من طرف اليهود باعتبارهم كفارا, و أدانهم النصارى البولسيون باعتبارهم مهرطقين مبتدعين. هكذا انفصلوا عن أتباع موسى و أتباع بولس.
"لقد انخرطوا أكثر في صف زعماء الإمبراطورية الرومانية, أما الاضطهاد, و الذي كان في البداية يطال كل من يدعي أنه نصراني , أصبح الآن يطال فقط أولئك الذين يؤمنون بتوحيد الله" (27).
لقد تلاعب النصارى البولُسيون بتعاليم المسيح إلى درجة لم يعودوا يشكلون معها أي تهديد لأجهزة السلطة التي انضووا تحت لوائها.
هنا يبدوا لنا جليا أن تعبيرات مثل "النصارى الأوائل" و "كنيسة الأزمنة الأولى" ليست مناسبة. لقد استعملت هذه التعبيرات لإخفاء حقيقة عدم وجود جماعة واحدة و إنما جماعتين: الأولى جماعة من الناس سميت بالناصريين, آمنت بالمسيح و اتبعته, و جماعة أخرى من الناس سميت بالنصارى آمنت بالمسيح و اتبعت بولس. و حتى نميز بين أتباع بولس و أتباع المسيح فإننا سنطلق على الكنيسة التي أسسها أتباع بولس "الكنيسة الرسمية".
الهوامش:
1 - , Muhammed Ata Urahim :"Jesus, Prophet of Islam"
2- The Gospel of Barnabas
3- The Gospel of Barnabas
4- Cross, The Oxford Dictionary of Christianity, p 274
5- St Augustin, De Civitate Dei, 19.23
6- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire II, p: 9
7- Le clerc, The Appostolic Fathers, p 84
8- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire II, p: 12
9- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire IV, p: 418
¥