[هذا هو الشعر كما أعرفه]
ـ[هتاف القلم]ــــــــ[14 - 12 - 2008, 01:45 م]ـ
إن الكلمة الرائعة تفعل في القلب فعلها وتترك أثرها، والشعر بالذات له وقع خاص، وحالة استثنائية، فهو ديوان العرب وحياتها وتاريخها، فقد سطروا بالشعر لوحات رائعة، وصوروا بالشعر مشاهد بديعة، ورووا بالشعر قصص مؤثرة، وسجلوا بالشعر مواقف خالدة.
الشعر .. ترجمان المشاعر وبوح الخواطر وهتاف الأحاسيس وحديث النفس ..
الشعر .. خفقة قلب ودمعة عين وزفرة صدر وخلجة فؤاد ..
الشعر .. صرخة متفجع وزفرة مهموم وأنين متألم وشكوى حزين ..
الشعر .. همسة محب وحديث عاشق ونجوى متيم ومشاعر مشتاق ..
كم من شخص سددت له النائبات سهامها، وألهبت الفواجع ظهره بسياطها، وغرزت المصائب في جسمه رماحها، فأرسل من بين تلك الهموم والغموم، وبعث من أعماق الكروب والخطوب، قصيدة هزت العالم، واستوقفت التاريخ، واستنصتت الأمم.
وكم من امرئ تكالبت عليه الأعداء، وأحاط به الخصوم الألداء، وخانته الأصدقاء، وجفاه الخلان، وتفرقوا من حوله الأصحاب، فأسلموه لحسود حقود، وتركوه لظلوم غشوم، وانكشوا عنه لعدو شامت أو بغيض متربص، فأطلق من بين سياط الغدر وسيوف المكر ورماح الخديعة وخناجر الخيانة، قصيدة ذائعة رائعة ماتعة، فشنف المسامع، واستوقف السامع، فسارت قصيدته مسير الشمس في البلدان، وهلت كالصيب النافع وتلقفها الناس وصارت شغلهم الشاغل.
وكم من إنسان يئن تحت مرض لا يرحم، أقظ مضجعه وهد قواه وأسهر ليله وأبكى عينه وأفقده بسمته، فأطلق من بين عناء المرض ووهن الحمى وثقل البلاء وشدة الخطب، قصيدة دوت في أرجاء الكون، ورددت الدنيا صداها، ورجعتها الأيام، وسارت بها الركبان، وتحدثت بها المجالس، وتناشدها الناس.
إذا رأيت إنساناً ينتفض بشدة، فلا تعجل عليه وتظن أن به مساً من الجن، أو صعقه تيار الكهرباء، فلعله سمع قصيدة رائعة فانتفض لها كالعصفور بلله القطر.
وإذا رأيت من يترنح ويتمايل ويكاد يسقط على وجهه، فلا يذهب فكر بعيداً فتظن أنه ثمل أخذ منه السكر مأخذه، أو أنه مصاب بحمى الربع أو أن به دوار البحر، فلربما سمع قصيدة جميلة فأصابه ما أصابه.
إن من الناس من إذ سمع القصيدة البديعة، اهتز طرباً، وانتفض عجباً، وتمايل أنساً، وترنح شوقاً، لأنه من هواة الشعر وذوّاق الأدب.
والشعر الذي أقصده، هو الذي إذا سمعته أثر فيك، وأخذ بمجامع قلبك وسلب لبك، وردده لسانك واستقر في أعماقك، بل تجدك ملزمٌ بحفظه وترديده، فهو يفرض نفسه، فتتداوله الألسن، وتتناقله الناس، وما سواه فليس بشعر، وتسميته بالشعر من باب التجوز، كما يُسمى اللديغ سليماً والصحراء مفازة. إن من الشعراء من إذا سمعت شعره أصابك الدوار، وأخذك الغثيان، وجاءك القيء والإسهال والسعال، لأن البضاعة مزجاة، والشعر رخيص، والأدب ميت، والكلام ساقط، فحش وفجور، وانحلال وتفسخ وعربدة، يدور في فلك الخمر والسكر والبغاء والتهتك، كما يدور الحمار على الرحى.
إن من الشعراء من يريد أن يفرض شعره على الناس، فيوزع دوواينه على الناس كما توزع الصدقات والأعطيات، فلا تكاد تجد مطعماً أو مخبزاً أو دكاناً إلا وزعه فيه، ليلقى رواجاً ولكن هيهات، بل كم ترى في الصحف والمجلات والدوريات وغيرها من الأبيات والقصائد ما يصل المئات بل الألوف، ومعها هذا فهي لا تساوي الحبر الذي كتبت به، بل امسح منها كل لفظ معظم وارجعها لصاحبها ومره فليستجمر بها.
هناك شعر وهناك شعير، وهناك أدب وهناك حطب، إن الحَكَم ليس جمهوراً مشترى، وتصفيق متزلف، وابتسامة متملق، ومدح منافق، وثناء كاذب، إن الحَكَم هو الأذن الأدبية التي تتذوق الشعر، والنفس المتألقة التي تحب الأدب، وتطرب للإبداع.
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[14 - 12 - 2008, 04:21 م]ـ
أهلا بك ومرحبا، وما أحسن ما سطرت، وأجمل ما كتبت.
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه=فليس حريا أن يقال له شعر
ـ[السراج]ــــــــ[15 - 12 - 2008, 11:36 ص]ـ
شكرا هتاف القلم ..
ولعل ما يروى عن المتنبي حين قال (أنا وأبو تمام حكيمان والشاعر البحتري)
.. يرمي لرهف شعور البحتري التي ترقّ ألفاظه وتدقّ معانيه ..