[الجاحظ يبيع السمك، ويحترف الكلام!]
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[28 - 09 - 2008, 01:52 ص]ـ
يشد إنتباهنا بطرفة عابرة، يقص علينا نادرة حين تكون مادة الدرس مغلفة ببعض جفاف وقسوة!
ذلك أسلوب الجاحظ، وتلك معرفته بالنفوس، فكان إذا تخوف ملل القارئ، وسأم السامع خرج من جد إلى هزل، ومن حكمة إلى نادرة ..
والجاحظ هو: أبو عثمان عمرو بن بحر، لقب بالجاحظ لجحوظ عينيه، أي لبروزهما .. أما مولده فكان بمدينة البصرة في العراق سنة 150 هـ، وعاش حتى 255 هـ.
نبغ أبو عثمان في معظم فروع المعرفة، وعلى رأسها علم الحيوان، وكان عالما باللغة العربية وآدابها، كما كان فيلسوفا واسع الأفق والإدراك.
درس المؤلفات اليونانية والهندية، وتتلمذ على مشاهير علماء الكلام والفقهاء، فامتاز أسلوبه بالإبداع واليسر والسهولة والفكاهة البارعة، والسخرية النادرة.
مات والده وهو صغير، فعاش يتيما ترعاه أمه الفقيرة، وتهتم بتعليمه القراءة والكتابة، وقد شارك الجاحظ أمه في كسب قوتها، فكان يبيع السمك والخبز
بعد انتهائه من دراسته.
عرف الجاحظ معرفة اليقين أن الكتاب خير صديق، لذا تراه يحافظ على هذه الصداقة طوال حياته، واعتبر الكتاب زميله الأوحد الذي لم يخنه مرة واحدة.
ولعلها نادرة من نوادر حياته التي أثبتها التاريخ وسجلها عن وفاته، حيث أنه كان يؤجر دكاكين الوراقين، ليقرأ ما فيها من الكتب، وذات مرة سقطت الكتب عليه، وكان نصف جسده به شلل فمات وهو يحتضن الكتب.
بقي علينا أن نستعرض أهم مؤلفات الجاحظ، فمن مؤلفاته:
- كتاب البيان والتبيين
- كتاب الحيوان
-كتاب البخلاء
ـ[محمد سعد]ــــــــ[28 - 09 - 2008, 02:37 ص]ـ
أهلا بك أخي أبا أنمار في حيِّنا في منتدى الأدب وهذه ساعة مباركة حين زرتنا
ونشكرك على هذه المشاركة الماتعة، ما شاء الله نشاطك كبير هذه الليلة. وإذا تكرمت علي بإضافة بعض مؤلفات الجاحظ:
الأمل والمأمول
المحاسن والأضداد
التاج في أخلاق الملوك
التبصرة بالتجارة
البخلاء
البيان والتبيين
البرصان والعرجان
البغال
الحيوان
الرسائل
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[28 - 09 - 2008, 02:42 ص]ـ
يسرني أن سرتك زيارتي
وأشكر لك مرورك الماتع وإضافتك اليانعة
دمت نديا
ـ[محمد سعد]ــــــــ[28 - 09 - 2008, 02:44 ص]ـ
لم تعرف اللغة العربية كاتباً مرحاً خفيف الظل، محباً للدعابة والنكتة والنادرة، مع ما فيه من إتقان للأسلوب وإحكام نسجه مثل الجاحظ، فقد كانت الفكاهة مَلكة فطرية فيه، تستند إلى أمور كثيرة لعل من أهمها المعرفة الشديدة بالناس وطبائعهم، ونظرة إلى بعض مؤلفاته مثل: البخلاء والبيان والتبيين، والحيوان، وما ضمته من الفكاهات والنوادر، والملاحظ أن طبيعة الهزل والسخرية، والضحك والإضحاك قد لازمت الجاحظ حتى نهاية عمره.
ومن نوادر الجاحظ التي تدل على أنه كان في إيراد نوادره محباً للاستقصاء والتتبع لكل صغيرة وكبيرة في موضوع النادرة حتى تخرج متكاملة الجوانب متسقة الأداء، ما رواه عن أحد معلمي الكتاتيب، وكيف أنهم لطول معاشرتهم للصبية الصغار، تطيش عقولهم، ويفقدون صوابهم وينتهون إلى الجنون، ويقابل الجاحظ واحداً منهم، ولكنه يغير فكرته عنهم لِما رآه منه من سَمت ووقار وعلم ورجاحة عقل، فيصاحبه ويتقرب إليه، ولكن الحال ينقلب بعد ذلك على نحو هزلي .. يقول الجاحظ:
"كنت ألفتُ كتاباً في نوادر المعلمين وما هم عليه من الغفلة، ثم رجعت عن ذلك وعزمت على تقطيع الكتاب، فدخلت يوماً قرية فوجدت فيها معلماً في هيئة حسنة، فسلمت عليه فرد عليّ أحسن رد، ورحّب بي فجلست عنده، وباحثته في القرآن فإذا هو ماهر، ثم فاتحته في الفقه والنحو وعلم المعقول وأشعار العرب، فإذا هو كامل الأدوات، فقلت: هذا واللّه مما يُقوي عزمي على تقطيع الكتاب.
وكنت أختلف إليه وأزوره، فجئت يوماً لزيارته، وطرقت الباب، فخرجتْ إليّ جارية وقالت: ما تريد؟ قلت: سيدك، فدخلت وخرجت وقالت: باسم اللّه، فدخلت إليه، وإذا به جالساً كئيباً، فقلت عظم اللّه أجرك، "لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة" .. "كل نفس ذائقة الموت" فعليك بالصبر! ثم قلت له: هذا الذي توفي ولدك؟ قال: لا، قلت: فوالدك؟، قال: لا، قلت: فأخوك؟ قال: لا، قلت: فزوجتك؟ قال: لا، فقلت: وما هو منك؟ قال: حبيبتي! فقلت: في نفسي هذه أول المناحس، فقلت: سبحان اللّه، النساء كثير، وستجد غيرها، فقال: أتظن أني رأيتها؟ قلت: هذه منحسة ثانية، ثم قلت: وكيف عشقت من لم تر؟ فقال: اعلم أني كنت جالساً في هذا المكان، وأنا أنظر من الطاقة (نافذة صغيرة) إذ رأيت رجلاً عليه بُرد وهو يقول:
يا أم عمرو جزاك اللّه مكرمة=ردِّي عليّ فؤادي أينما كانا
لا تأخذين فؤادي تلعبين به =وكيف يلعب بالإنسان إنسانا
فقلت في نفسي: لولا أنّ أم عمرو هذه ما في الدنيا أحسن منها ما قيل فيها هذا الشعر، فعشقتها، فلما كان منذ يومين مَرَ ذلك الرجل بعينه وهو يقول:
لقد ذهب الحمار بأمِّ عمرو=فلا رجعت ولا رجع الحمار
فعلمت أنها ماتت! فحزنت عليها، وأغلقت المكتب، وجلست في الدار.
فقلت: يا هذا، إني ألفت كتاباً في نوادركم معشر المعلمين، وكنت حين صاحبتك عزمت على تقطيعه، والآن قد قويت عزمي على إبقائه، وأول ما أبدأ فيه بك إن شاء اللّه!.
¥