غرائب الوفاء لدى الشريف الرضي
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 09:42 ص]ـ
غرائب الوفاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حال الأحباب، وما خبر الأهل والأصحاب ... ؟
رقة ما بعدها رقة، وقلب شاعر متناه بالشموخ والعزة ممن؟
من الشريف الرضي محمد بن الحسين
انظروا لرقة هذا الشخص عندما يتوجع ويتألم ويخاطب من فقد من الأهل والأحباب الذاهبين منهم كما يخاطب الأحباب الغائبين، وذلك من قوة الإحساس، وصدق العاطفة.
ومما أعجبني في هذه القصيدة: بدأ الشريف القصيدة بفعل أمر ومسائلة النفس ومن ثم التعريج على سؤال الأحباب وأين رمت بهم نوب الحياة، ويبدأ بالإسترسال؛ مرة بمدحهم كجماعة بعدوا عنه وغابوا ومرة أخرى بمدحهم وهو منهم ومعهم ومرة أخرى يمدحهم بالمفرد دون الجمع.مطلع موفق أيها الشريف:
قِف مَوقِفَ الشَكِّ لا يَأسٌ وَلا طَمَعُ = وَغالِطِ العَيشَ لا صَبرٌ وَلا جَزَعُ
وَخادِعِ القَلبَ لا يودِ الغَليلُ بِهِ = إِن كانَ قَلبٌ عَلى الماضينَ يَنخَدِعُ
وَكاذِبِ النَفسَ يَمتَدُّ الرَجاءُ لَها = إِنَّ الرَجاءَ بِصِدقِ النَفسِ يَنقَطِعُ
صدقت، وجميل أنت، حينما تتوهم وتُصدق توهمك وإيهامك فتقول:
سائِل بِصَحبي أَنّى وُجهَةٍ سَلَكوا = عَنّا وَأَيَّ الثَنايا بَعدَنا طَلَعوا (1)
حَدا بِأَظعانِهِم حَتّى اِستَمَرَّ بِها = حادي المَقاديرِ لا يَلوي بِهِم ظَلَعُ
غابوا فَغابَ عَنِ الدُنيا وَساكِنُها = مَرأى أَنيقٌ عَنِ الدُنيا وَمُستَمَعُ
كان الله في عونك أيها الرضي فقد صار بك أكثر مما صار في أهلك، وما صار بهم؟؟
بَني أَبي قَد نَكى فيكُم بِشِكَّتِهِ = وَنالَ ما شاءَ هَذا الأَزلُمَ الجَذَعُ
كُنتُم نُجوماً لِذي الدَهماءِ زاهِرَةً = تُضيءُ مِنها اللَيالي السودُ وَالدُرَعُ
إِن تَخبُ أَنوارُكُم مِن بَعدِ ما صَدَعَت = ثَوبَ الدُجى فَلَضَوءِ الشَمسِ مُنقَطَعُ
في غُرَّةِ المَجدِ مُذ غُيَّبتُمُ كَلَفٌ = عَلى الزَمانِ وَفي خَدِّ العُلى ضَرَعُ
وَبِالمَواضي حِرانٌ في الوَغى وَبِأَع = ناقِ الضَوامِرِ مُذ أُرحِلتُمُ خَضَعُ
مَصاعِبٌ ذَعذَعَت أَيدي المَنونِ بِها = فَطاعَ مُعتَصِمٌ وَاِنقادَ مُمتَنِعُ (2)
لَم يَعدَموا يَومَ حَربٍ تَحتَ قَسطَلِها = طَيرُ الدِخامِ عَلى لَبّاتِهِم تَقَعُ (3)
لَم يَنزِعوا البيضَ مُذ لاثوا عَمائِمَهُم = إِلّا وَقَد غاضَ مِنها الشَيبُ وَالنَزَعُ (4)
تأبى أن يكون المدح بهم من دونك فتضع شخصك معهم وتقول:
نُسابِقُ المَوتَ تَطويحاً بِأَنفُسِنا = حَتّى كَأَنّا عَلى الأَجيالِ نَقتَرِعُ
أيها الشريف بعد هذا المجد والعز ورؤيتك وهم بعيدين عنك ولا تتغير خلجات نفسك!؛ يرد الشريف ويقول:
أَبكيهِمُ وَيَدُ الأَيّامِ دائِبَةٌ = تَدوفُ لي فَضلَةَ الكَأسِ الَّتي جَرَعوا
لا أَمتَري أَنَّني مُجرٍ إِلى أَمَدٍ = جَروا إِلَيهِ قُبَيلَ اليَومِ أَو نَزَعوا
وَأَنَّني وارِدُ العِدِّ الَّذي وَرَدوا = بِالكُرهِ أَو قارِعُ البابِ الَّذي قَرَعوا
سُدَّت فَواغِرُ أَفواهِ القُبورِ بِهِم = وَلَيسَ لِلأَرضِ لا رَيٌّ وَلا شَبَعُ
أَعتادُهُم لا أُرَجّي أَن يَعودَ لَهُم = إِلَيَّ ماضٍ وَلا لي فيهِمُ طَمَعُ
فَما تَوَهُّجُ أَحشايَ عَلى نَفَرٍ = كانوا عَواريَ لِلأَيّامِ فَاِرتَجِعوا
نُليحُ أَن تَرتَعي الأَقدارُ أَنفُسَنا = وَكُلُّنا لِلمَنايا السودِ مُزدَرَعُ (5)
نَلهو وَمانَحنُ إِلّا لِلرَدى أُكَلٌ = وَالدَهرُ يَمضَغُنا وَالأَرضُ تَبتَلِعُ
ذَوائِبٌ مِن لُبابِ المَجدِ ما فَجِعوا = بِمِثلِ أَنفُسِهِم يَوماً وَلا فُجِعوا
لحظة لحظة أيها الشريف، مدحتهم وأعطيتهم حق المدح وثم نثرت حكم الزمان بسبكك الوافي، فلم َ العودة لمدحهم؟ يرد الشريف:
كانوا حَوامي جِبالِ العِزِّ فَاِنقَرَضوا = وَصَدَّعوا قُلَلَ العَليا مُذِ اِنصَدَعوا
فَوارِسٌ قَوَّضوا عَن سابِقاتِهِمُ = فَاِستُنزِلوا بِطِعانِ الدَهرِ وَاِقتُلِعوا
قَومٌ فُكاهَتُهُم ضَربُ الطُلى وَلَهُم = تَحتَ العَجاجِ بِأَطرافِ القَنا وَلَعُ
إِمّا تَؤودُ مِنَ الأَيّامِ نائِبَةٌ = قاموا بِها وَأَطاقوا الحَملَ وَاِضطَلَعوا
لا تَستَلينُهُمُ الضَرّاءُ نازِلَةً = وَلا تَقودُهُمُ الأَطماعُ وَالنُجَعُ
¥