يصف أسداً
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[04 - 11 - 2008, 04:56 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
يصف أسداً ولكن لم أره في القنوات الخاصة بالحيوانات -أعزكم الله - من عظمه وهوله:)
وصف الأسد
قال أبو زُبيد الطائي يصفه لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - وكان قد لقيه: أقبل يتضالع من بغيه، ولصدره تحيط، ولبلاعيمه غطيط؛ ولطرفه وميض ولأرساغه نقيض؛ كأنما يخبط هشيماً، أو يطأ صريماً؛ وإذا هامة كالمجن، وخد كالمسن؛ وعينان سجراوان، كأنهما سراجان؛ وقصرة ربله، ولهزمة رهله؛ وساعد مجدول وعضد مفتول؛ وكف شثنة البراثن، ومخالب كالمحاجن؛ وفم أشدق كالغار الأخرق؛ يفتر عن معاول مصقوله، غير مفلوله؛ فهجهجنا به ففرفر وبربر، ثم زأر فجرجر؛ ثم لحظ فخلت البرق يتطاير من جفونه، عن شماله ويمينه؛ فأُرعشت الأيدي، واصطكت الأرجل؛ وجحظت العيون، وساءت الظنون، ولحقت الظهور بالبطون.
: p
ووصفه بعض الأعراب فقال: له عينان حمراوان مثل وهج الشرر، كأنما نقرتا بالمناقير في عرض حجر؛ لونه ورد، وزئيره رعد؛ هامته عظيمه، وجبهته شتيمه؛ نابه شديد؛ وشره عتيد؛ إذا استقبلته قلت: وإذا استدبرته قلت: أفرع؛ لا يهاب إذا الليل عسعس، ولا يجبن إذا الصبح تنفس؛ ثم أنشد:
عبوس شموس مصلخد مكابر = جريء على الأقران للقرن قاهر
براثنه شُثن وعيناه في الدجى = كجمر الغضى في وجهه الشر طائر
يدل بأنياب حداد كأنها = إذا قلّص الأشداق عنها خناجر
ـ[عز الدين القسام]ــــــــ[04 - 11 - 2008, 09:59 م]ـ
يصف أسداً ولكن لم أره في القنوات الخاصة بالحيوانات -أعزكم الله - من عظمه وهوله ..
هو هو ما تراه في قنوات المرئي ,,
الفرق أن تحس بالخطر .. عندها تعرف أن الأسد هو ما وصف ..
شكرا لك هذا النقل المتميز .. بارك الله فيك .. :):)
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[08 - 11 - 2008, 04:16 م]ـ
كل الشكر لك أخي الكبير رعد ...
ومن التهويل في وصف الأسد قول الشاعر
إياك لا تستوش ليثاً مخدرا! = للهول في غسق الدجى دوّاسا
مَرِساً كأمراس القليب جدوله = لا يستطيع له الأنام مِراساً
شثن البراثن كالمحاجن عطّفت = اظفاره فتخالها أقواساً
لان الحديد لجلده فإهابه = يكفيه من دون الحديد لباسا
مصطكة أرساغه بعظامه = فكأن بين فصولها أجراسا
وإذا نظرت إلى وميض جفونه = أبصرت بين شفورها مقباسا
وقال آخر:
توق - وقاك رب الناس - ليثاً = حديد الناب والأظفار وردا
كأن بملتقى اللحيين منه = مذرّبة الأسنة أو أحداً
وتحسب لمح عينيه هدوءاً = ورجع زئيره برقاً ورعدا
تهاب الأسُد حين تراه منه = إذا لاقينه في الغاب فردا
تصد عن الفرائس حين يبدو = وكانت قبل تأنف أن تصدّا
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[08 - 11 - 2008, 06:24 م]ـ
السلام عليكم
اسمح لي أخي رسالة الغفران في المشاركة معك في موضوعك الجميل والرائع
تصوير الأسد في قصيدة المتنبي لابن عمار وقد أصاب ابن الأثير إذ فضله في ذلك على البحتري فقال:
"إن معاني أبي الطيب أكثر عددا وأسد مقصدًا" وأساس هذا التفضيل أن المتنبي تفنن في ذكر الأسد فوصف صورته وهيئته ووصف أحواله في انفراده وفي هيئة مشيه واختياله، ووصف خلقه (من بخل وشجاعة) وشبه الممدوح به في الشجاعة وفضله عليه بالسخاء، ثم أنه عطف على ذكر الأنفة والحمية التي بعثت الأسد على قتل نفسه بلقاء الممدوح، وأخرج ذلك في أحسن مخرج وأبرزه في أشرف معنى".
وإذا تأملت كلام ابن الأثير في المتنبي رأيته محمولا على ما ذكرناه لشاعرنا من وصف الحركات والأحوال والنفوذ إلى النزعات النفسية العميقة. فانظر كيف ينتقل من وصف هيبة الأسد ولونه وبأسه وعينيه ووحدته في الغاب إلى وصف حركاته فيقول:
يطأ الثرى مترفقًا من تيهه=فكأنه آس يجس عليلا
ويرد عفرته إلى يافوخه =حتى تكون لرأسه إكليلا
حتى إذا شاهد ابن عمار مقتربا منه:
ألقى فريسته وبربر دونها =وقربت قربًا خاله تطفيلا
فتشابه الخلقان في إقدامه =وتخالفا في بَذْلك المأكولا
وإليك هيئته وهو يستعد للوثوب:
ما زال يجمع نفسه في زوره =حتى حسبت العرض منه الطولا
ويدق بالصدر الحجار كأنه =يبغي إلى ما في الحضيض وصولا
ثم يلتفت الشاعر إلى نفسية الأسد فيصف جرأته - بل تهوره وغروره - ويقرن ذلك بحكمة عامة قرنًا يمتاز به شعره فيقول:
وكأنه غرته عين فادني =لا يبصر الخطب الجليل جليلا
أنف الكريم من الدنيئة تارك =في عينه العدد الكثير قليلا
والعار مضاض وليس بخائف =من حتفه من خاف مما قيلا
ومن هنا يتقدم إلى وثبة الأسد الهائلة ومصادمة الممدوح إياه حتى:
خذلته قوته وقد كافحته =فاستنصر التسليم والتجديلا
قبضت منيته يديه =وعنقه فكأنما صادفته مغلولا
هذا الوصف الشائق الذي يتناول الحركات والأحوال، وينفذ إلى العواطف فيربطها برابطة الحكمة العالية، ويجعل من الحوادث عبر الحياة الخالدة، هو الأسلوب العالي الذي عرف به المتنبي في تاريخ الأدب العربي.
والخلاصة أن المتنبي برغم بعض سقطاته شاعر عظيم. نعم إنه لم ينصرف خاصة إلى الوصف، ولكن شعره عموما وصف بليغ لعواطفه ولمناقب ممدوحيه وأحوالهم. وهو يمتاز بدقة التعبير عن الحركات والنزعات، ولا بدع فحياته كلها حركات ونزعات. وأحسب أنه لو انصرف إلى وصف الطبيعة والعمران لكان له من القلائد ما يعد من مفاخر الشعر.
¥