[أبو ريشة شاعر الموقف]
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[04 - 12 - 2008, 09:13 م]ـ
ليس كل شاعر بقادر على توظيف اللحظة أو الموقف واستغلاله شعريا
فذلك يقرب الشعر من القصة فالقصة في الشعر تبعده عن جوهره وهذا ما لا يستحبه الشعراء الذين يميلون إلى الغنائية في الشعر يؤيد ذلك أن القصة الشعرية العربية لم تتحدد ملامحها في الشعر العربي قديما وغياب الملحمة العربية أكبر دليل فالعرب فهموا الشعر على أنه إحساس وشعور في الدرجة الأولى.
ولكن عمر أبا ريشة يستطيع أن يوظف المواقف واللحظات في قصة شعرية بسيطة ويخرجها بصورة غنائية جميلة تحكي تأثره بالمثالية الرومنتيكية
مثلا قصيدة "عودي" وهي موقف بين الشاعر وحبيبته
يقصه علينا أبو ريشة بأسلوبه العذب:
قالت مللتك اذهب لست نادمة =على فراقك إن الحب ليس لنا
سقيتك المر من كاسي شفيت بها= حقدي عليك وما لي عن شقاك غنى
لن أشتهي بعد هذا اليوم أمنية = لقد حملت إليها النعش والكفنا
قالت وقالت ولم أهمس بمسمعها = ما ثار من غصصي الحرى وما سكنا
تركت حجرتها والدفء منسرحا =والعطر منسكبا والعمر مرتهنا
وسرت في وحشتي والليل ملتحف =بالزمهرير وما في الأفق ومض سنا
ولم أكد اجتلي دربي على حدس= وأستلين عليه المركب الخشنا
حتى سمعت ورائي رجع زفرتها= حتى لمست حيالي قدها اللدنا
نسيت ما بي هزتني فجاءتها = وفجرت من حناني كل ما كمنا
وصحت يا فتنتي ما تفعلين هنا = البرد يؤذيك عودي لن أعود أنا
ومن المواقف التي يحكيها لنا أبو ريشة موقف له بعد أن تسأله حبيبته عن جدوى عيش الفقراء فيرد عليها بقصيدته وبمثاليته الرومنتيكية:
تتساءلين علام يحيا هؤلاء الأشقياء؟
المتعبون ودربهم قفر ومرماهم هباء
الواجمون الذاهلون أمام نعش الكبرياء
الصابرون على الجراح المطرقون على الحياء
أنستهم الأيام ما ضحك الحياة وما البكاء
أزرت بدنياهم ولم تترك لهم فيها رجاء
تتساءلين وكيف ادري ما يرون على البقاء؟
امضي لشأنك اسكتي أنا واحد من هؤلاء!
الملاحظ في القصيدتين أن الشاعر يأتي بالبيت الأخير مركزا وشاملا يجمل موقفه من القضية المطروحة وهذا ما يسمى في البلاغة بحسن الختام.
ـ[عبد القادر علي الحمدو]ــــــــ[05 - 12 - 2008, 02:33 م]ـ
حقاً عمر أبو ريشة من القلائل الذين يعيشون في ذاكرة الأدب الحديث. وقد أحسنتَ الانتقاء.
حياك الله بحر الرمل.
ـ[محمد سعد]ــــــــ[05 - 12 - 2008, 02:52 م]ـ
ومن القصص الشعريَّة الجميلة هذه القصيدة المُعنونة بـ (غادة من الأندلس)
وثبتْ تَستقربُ النجم مجالا =وتهادتْ تسحبُ الذيلَ اختيالا
وحِيالي غادةٌ تلعب في= شعرها المائجِ غُنجًا ودلالا
طلعةٌ ريّا وشيءٌ باهرٌ =أجمالٌ؟ جَلَّ أن يسمى جمالا
فتبسمتُ لها فابتسمتْ= وأجالتْ فيَّ ألحاظًا كُسالى
وتجاذبنا الأحاديث فما =انخفضت حِسًا ولا سَفَّتْ خيالا
كلُّ حرفٍ زلّ عن مَرْشَفِها= نثر الطِّيبَ يميناً وشمالا
قلتُ يا حسناءُ مَن أنتِ ومِن =أيّ دوحٍ أفرع الغصن وطالا؟
فَرَنت شامخةً أحسبها =فوق أنساب البرايا تتعالى
وأجابتْ: أنا من أندلسٍ =جنةِ الدنيا سهولاً وجبالا
وجدودي، ألمح الدهرُ على= ذكرهم يطوي جناحيه جلالا
بوركتْ صحراؤهم كم زخرتْ= بالمروءات رِياحاً ورمالا
حملوا الشرقَ سناءً وسنى =وتخطوا ملعب الغرب نِضالا
فنما المجدُ على آثارهم= وتحدى، بعد ما زالوا الزوالا
هؤلاء الصِّيد قومي فانتسبْ =إن تجد أكرمَ من قومي رجالا
أطرق الطرفُ، وغامتْ أعيني =برؤاها، وتجاهلتُ السؤالا
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[05 - 12 - 2008, 05:31 م]ـ
تتساءلين وكيف أدري ما يرون على البقاء؟
امضي لشأنك اسكتي أنا واحد من هؤلاء!
الملاحظ في القصيدتين أن الشاعر يأتي بالبيت الأخير مركزا وشاملا يجمل موقفه من القضية المطروحة وهذا ما يسمى في البلاغة بحسن الختام.
شكرا بحر الرمل على هذه اللطيفة
أما ختام القصيدة فكان مفاجئا.
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[05 - 12 - 2008, 05:57 م]ـ
بارك الله لك أخي الكريم بحر الرّمل على هذه الإطلالة اللطيفة على الشاعر الكبير أبو ريشة رحمه الله.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[05 - 12 - 2008, 10:29 م]ـ
أهلا بكم جميعا أسعدني مروركم العذب.
ـ[المستبدة]ــــــــ[07 - 12 - 2008, 10:02 ص]ـ
جديّةٌ و تميّز في الطرح ..
كلماتٌ تزنُ ما تقول.
بحر الرمل:
شكرا لهذا الإثراء.
تحيّة ...
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[07 - 12 - 2008, 05:15 م]ـ
أشكر سيدتي المستبدة على المرور اللطيف والتعليق الألطف.