تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[في رثاء الأبناء غرض آخر]

ـ[عامر مشيش]ــــــــ[17 - 10 - 2008, 05:29 م]ـ

قال أبو ذؤيب الهذلي بعد مهلك بنيه:

أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ=وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ

قالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِكَ شاحِباً=مُنذُ اِبتَذَلتَ وَمِثلُ مالِكَ يَنفَعُ

أَم ما لِجَنبِكَ لا يُلائِمُ مَضجَعاً=إِلّا أَقَضَّ عَلَيكَ ذاكَ المَضجَعُ

فَأَجَبتُها أَن ما لِجِسمِيَ أَنَّهُ=أَودى بَنِيَّ مِنَ البِلادِ فَوَدَّعوا

أَودى بَنِيَّ وَأَعقَبوني غُصَّةً=بَعدَ الرُقادِ وَعَبرَةً لا تُقلِعُ

سَبَقوا هَوَىَّ وَأَعنَقوا لِهَواهُمُ=فَتُخُرِّموا وَلِكُلِّ جَنبٍ مَصرَعُ

فَغَبَرتُ بَعدَهُمُ بِعَيشٍ ناصِبٍ=وَإَخالُ أَنّي لاحِقٌ مُستَتبَعُ

وَلَقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِعَ عَنهُمُ=فَإِذا المَنِيِّةُ أَقبَلَت لا تُدفَعُ

وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها=أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ

فَالعَينُ بَعدَهُمُ كَأَنَّ حِداقَها=سُمِلَت بشَوكٍ فَهِيَ عورٌ تَدمَعُ

حَتّى كَأَنّي لِلحَوادِثِ مَروَةٌ=بِصَفا المُشَرَّقِ كُلَّ يَومٍ تُقرَعُ

لا بُدَّ مِن تَلَفٍ مُقيمٍ فَاِنتَظِر=أَبِأَرضِ قَومِكَ أَم بِأُخرى المَصرَعُ

وَلَقَد أَرى أَنَّ البُكاءَ سَفاهَةٌ=وَلَسَوفَ يولَعُ بِالبُكا مِن يَفجَعُ

وَليَأتِيَنَّ عَلَيكَ يَومٌ مَرَّةً=يُبكى عَلَيكَ مُقَنَّعاً لا تَسمَعُ

وَتَجَلُّدي لِلشامِتينَ أُريهِمُ=أَنّي لَرَيبِ الدَهرِ لا أَتَضَعضَعُ

وَالنَفسُ راغِبِةٌ إِذا رَغَّبتَها=فَإِذا تُرَدُّ إِلى قَليلٍ تَقنَعُ

كَم مِن جَميعِ الشَملِ مُلتَئِمُ الهَوى=باتوا بِعَيشٍ ناعِمٍ فَتَصَدَّعوا

فَلَئِن بِهِم فَجَعَ الزَمانُ وَرَيبُهُ=إِنّي بِأَهلِ مَوَدَّتي لَمُفَجَّعُ

ثم بدأ يعزي نفسه بضرب الأمثال

وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ=في رَأسِ شاهِقَةٍ أَعَزُّ مُمَنَّعُ

ويريد النسر فهم يرون أنه يعمر طويلا واكتفى بهذا البيت، ثم عاد بنفس العبارة في صدر البيت:

وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ=جَونُ السَراةِ لَهُ جَدائِدُ أَربَعُ

واستمر في قصة الجون وهو حمار الوحش وكيف قتله قانصه وتفنن في قصته بأكثر من عشرين بيتا.

ثم عاد إلى عبارة التعزية " وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ " فقال:

وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ=شَبَبٌ أَفَزَّتهُ الكِلابُ مُرَوَّعُ

ثم أخذ في قصة الثور الشبب " أي المسن " مع الكلاب الضاريات في معركة غير متكافئة وغلبه عليهن وفجأة ظهر ربُّ الكلاب وقتله وذكر ذلك في أربعة عشر بيتا.

ثم عاد إلى عبارة التعزية " وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ " فقال:

وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ=مُستَشعِرٌ حَلَقَ الحَديدِ مُقَنَّعُ

ويحكي عن فارس شجاع مستلئم قابل قرنه في معركة متكافئة فتقاتلا وتسابقا بضربتين فأودتا بهما فقتلا وكلاهما ماجد شجاع وذكر ذلك في خمسة عشر بيتا.

فالشاعر يخاطب نفسه ويرغبها في التأسي والتعزي والتصبر عن المصاب ولذلك ذهب أبو ذؤيب مذهبا لا يذهبه من يرثي شخصا ليذكر مآثره تأبينا له بل لم يذكر بنيه السبعة بخاصة في بيت واحد لكنه أتى بالقصص المتخيلة التي كان مصير أبطالها إلى الموت وغرضه من هذه القصص تعزية نفسه.

ـ[بائع الصمت]ــــــــ[17 - 10 - 2008, 05:53 م]ـ

القصيدة رائعة

ولونقلتها كاملة كان احسن

فانت شوقتنا لها

شكرا

ـ[أحاول أن]ــــــــ[17 - 10 - 2008, 07:36 م]ـ

شكر الله لك , وسلَّم يديك ..

صدَقْتَ .. غرض آخر ورثاء لا كالرثاء , كان بكاءً مختلفا فاستحقت القصيدة أن تتسيَّد مراثي الأبناء في الشعر العربي ..

وصفحة ٌ رائعة ٌ ماتعة ٌ دامعة ..

ـ[أم أسامة]ــــــــ[17 - 10 - 2008, 08:05 م]ـ

بوركت أخي الكريم زين الشباب ..... موضوع في غاية الروعة

ومن أروع ما قيل في رثاء الأبناء قصيدة ابن الرومي في رثاء ابنه محمد وهو أوسط صبيته وهي من أجمل ماقيل في الرثاء حسب رأيي

مع اعتذاري الشديد لطول القصيدة لم استطع حذف أياً من أبياتها لروعتها ...

بكاؤكما يُشفي وإن كان لا يُجدي = فجودا فقد أودى نظيركما عندي

بُنيّ الذي أهدتهُ كفّاي للثرى = فياعِزّة المُهدَى ويا حسرة المُهدِي

ألا قاتل الله المنايا ورميها = من القوم حبات القلوب على عمدِ

توخّى حمامُ الموت أوسط صبيتي = فلله كيف اختار واسطة العقدِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير