[رثاء في فلسفة الحياة مع حكيم المعرة]
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 12:07 ص]ـ
غير مجدٍ في ملتي واعتقادي= نوح باكٍ ولا ترنُّم شادِ
وشبيهٌ صوت النّعي إذا قيـ س= بصوت البشير في كل نادِ
أبكت تلكم الحمامة أم غنّت =على فرع غصنها الميادِ
صاح، هذي قبورنا تملأ الرُّحب =فأين القبور من عهد عادِ؟
خففِ الوطء ماأظنُّ أديم =الأرض إلا من هذه الأجسادِ
وقبيحٌ بنا، وإن قدم =العهد، هوان الآباء والأجدادِ
لكل من أعضاء الفصيح نظرة خاصة في الحياة وقفت أمام تلك القصيدة وهي من أعظم قصائد الرثاء في أدبنا ...
الشاعر نفى عن القصيدة الذكريات الخاصة ووقف أمام مشكلة الحياة والموت ..
هل من موضح لتلك الفلسفة التي حذاها الشاعر من خلال تلك الأبيات؟؟
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 12:49 ص]ـ
الشاعر هنا يرثي فقيها من فقهاء عصره.
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 01:23 ص]ـ
قصيدة رائعة أخيتي الكريمة,
دراسة وتحليل للقصيدة كاملة
(أ)
يستهل الشاعر قصيدته استهلالاً يحمل طابع اليأس والتشاؤم، فتراه يقول:
إن نوح الباكي يستوي -في اعتقاده- مع غناء الشادي الفرح.
و إن صوت الناعي الذي يحمل نبأ الموت إليه لا يختلف عنده عن صوت البشير الذي يزف إليه نبأ سارا
كذلك يستوي لديه بكاء الحمامة وهديلها على غصنها المتمايل لينا و غضارة، فكل هذه مظاهر لا تجدي في تغيير وجه الحياة، ولا تخفف من وطأتها القاسية، و كلها تتراءى في نظره متماثلة مستوية.
والأبيات، كما ترى، خبرية تقصد إلى إظهار التشاؤم، والهمزة في البيت الثالث للتسوية بين البكاء والغناء، وهو بهذا يسير في إطار البيتين السابقين له. وترى في الأبيات مطابقات نابعة من طبيعة الموقف، يجمع فيها أبو العلاء بين: "نوح الباكي" و "ترنم الشادي" وبين "النعي والبشير" وبين "بكت وغنت". ولهذا جاءت دقيقة تزيد المعنى قوة وتمكنا.
(ب)
هنا ترى الشاعر يسبح في خواطر حزينة، تتسق مع ما عبر عنه من استواء مظاهر الفرح والحزن لديه، فيقول: هذه قبور موتانا تزحم الأرض، فأين هي -إذا- قبور من سبقونا في تلك الآماد المتطاولة منذ قديم الزمان؟ إن الأرض ليست إلا مقبرة كبيرة من عهد عاد، وإن ترابها ما هو إلا بقايا هذه الأجساد التي طال عليها الأمد، فما أحرانا -ونحن ننقل الخطو على وجه الأرض الذي كونته هذه الأجساد- أن نسير في هون واتئاد!
و قبيح بنا –و إن طال الزمان على هذا الرفات- أن نمتهنه لأنه رفات آبائنا وأجدادنا. بل جدير بنا أن ننطلق في الهواء إن استطعنا حتى لا نطأه بأقدامنا، لا أن نمشي فوق الرفات مشية الزهو والاختيال.
ومن عجائب هذه الحياة، ومن سخرياتها الغريبة أن اللحد الواحد قد يضم أشخاصا تباينت طبائعهم واختلفت أقدارهم، بين غني وفقير، وصالح وطالح، وعالم وجاهل، يدخلونه جميعا وهو ساخر بهذا الالتقاء بين المتناقضين الذين عجزت الدنيا أن تؤلف بينهم.
وليس من شك أن الحياة التي تحمل في طبيعتها هذه الآلام جميعا، حياة كلها في نظر الشاعر تعب وعناء، ومن العجيب أن يتعلق بها الناس مع ذلك، ويتهافتوا عليها.
والأبيات كسابقتها تعبر عن تشاؤم أبي العلاء، ونظرته القاتمة إلى الحياة. وهو يسوق فكرته في أساليب تتنوع بين الإنشاء والخبر، فالاستفهام في البيت الأول من هذا القسم يحمل معنى التعجب، وأسلوب الأمر في البيتين الثاني والرابع منها يحمل معنى النصح، ويعبر عما تحمل نفس أبي العلاء من وفاء.
أما الخبر في البيت الخامس فيحمل معنى السخرية بالحياة والأحياء، كما يحمل الخبر في البيت الأخير فكرة الشاعر عن الحياة، ويهون أمرها في النفوس. وأنت تلاحظ في الأبيات صورة بلاغية ساخرة، جاءت على سبيل الاستعارة المكنية، هي ضحك القبر من تزاحم الأضداد. كما تلاحظ أن ألفاظ الأبيات تثير النفس بما فيها من إيحاءات قوية مؤثرة.
(ج)
في هذه الأبيات يهدأ الشاعر، ويسترد أنفاسه قليل، فيثوب إلى الدين يتلمس فيه راحة نفسه:
فيؤكد ما يقرره من بقاء الإنسان بعد الموت، وخطأ هؤلاء الذين ينكرون البعث والحياة الآخرة.
ويرى ما يراه الدين، من أن الناس خلقوا للبقاء، وأن الموت ما هو إلا رحلة يقطعها الإنسان إلى دار الخلود والجزاء، وهناك يسعد الصالحون، ويشقى الآثمون.
¥