تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[صخب في مجلس سيف الدولة ... !!]

ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[22 - 12 - 2008, 04:32 م]ـ

قال ابن الدهان في المآخذ الكندية من المعاني الطائية:

إنه قال أبو فراس لسيف الدولة: إن هذا المتمشدق كثير الإدلال عليك، وأنت تعطيه كل سنة ثلاث آلاف دينار، عن ثلاث قصائد، ويمكن أن تفرق مائتي دينار على عشرين شاعرا يأتون بما هو خير من شعره، فتأثر سيف الدولة من هذا الكلام، وعمل فيه، وكان المتنبي غائبا، وبلغته القصة فدخل على سيف الدولة، وأنشد:

ألا ما لسيف الدولة عاتبا = فداه الورى أمضى السيوف مضاربا

ومالي إذا ما اشتقت أبصرت دونه = تنائف لا أشتاقها وسباسبا

وقد كان يدني مجلسي من سمائه = أحادث فيها بدرها والكواكبا

حنانيك مسئولا ولبيك داعيا = وحسبي موهوبا وحسبك واهبا

أهذا جزاء الصدق إن كنت صادقا = أهذا جزاء الكذب إن كنت كاذبا

وإن كان ذنبي كل ذنب فإنه = محا الذنب كل المحو من جاء تائبا

فأطرق سيف الدولة ولم ينظر إليه كعادته، فخرج المتنبي من عنده متغيرا، وحضر أبو فراس وجماعة من الشعراء فبالغوا في الوقيعة في حق المتنبي، وانقطع يعمل القصيدة التي أولها:

وأحر قلباه ممن قلبه شبم = ومن بجسمي وحالي عنده سقم

وجاء وأنشدها، وجعل يتظلم فيها من التقصير في حقه كقوله:

مالي أكتم حبا قد برى جسدي = وتدعى حب سيف الدولة الأمم

إن كان يجمعنا حب لغرته=فليت أنا بقدر الحب نقتسم

قد زرته وسيوف الهند مغمدة = وقد نظرت إليه والسيوف دم

فهم جماعة بقتله في حضرة سيف الدولة؛ لشدة إدلاله وإعراض سيف الدولة عنه، فلما وصل في إنشاده إلى قوله:

يا أعدل الناس إلا في معاملتي = فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

فقال أبو فراس:

مسخت قول دعبل واعيته وهو:

ولست أرجو انتصافا منك ما ذرفت = عيني دموعا وأنت الخصم والحكم

فقال المتنبي:

أعيذها نظرات منك صادقة = أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

فعلم أبو فراس أنه يعنيه؛ فقال:

ومن أنت يا دعي كندة حتى تأخذ أعراض أهل الأمير في مجلسه؟ فأستمر المتنبي في إنشاده ولم يرد إلى أن قال:

سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا = بأنني خير من تسعى به قدم

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي = وأسمعت كلماتي من به صمم

فزاد ذلك غيظا في أبي فراس، وقال: سرقت هذا من عمرو بن عروة بن العبد في قوله:

أوضحت من طرق الآداب ما اشتكلت = دهرا وأظهرت إغرابا وإبداعا

حتى فتحت بإعجاز خصصت به = للعمي والصم أبصارا وأسماعا

ولما وصل إلى قوله:

الخيل والليل والبيداء تعرفني = والحرب والضرب والقرطاس والقلم

قال أبو فراس:

وما أبقيت للأمير، إذا وصفت نفسك بالشجاعة والفصاحة، والرياسة والسماحة، تمدح نفسك بما سرقته من كلام غيرك وتأخذ جوائز الأمير؟ أما سرقت هذا من قول الهيثم بن الأسود النخعي الكوفي المعروف بابن العريان العثماني، وهو:

أعاذلتني كم مهمة قد قطعته = أليف وحوش ساكنا غير هائب

أنا ابن الفلا والطعن والضرب والسري = وجرد المذاكي والقنا والقواضب

حليم وقور في البوادي وهيبتي = لها في قلب الناس بطش الكتائبفقال المتنبي:

وما انتفاع أخي الدنيا بناظره = إذا استوت عنده الأنوار والظلم

قال أبو فراس:

وسرقت هذا من معقل العجلي، وهو:

إذا لم أميز بين نور وظلمة = بعيني فالعينان زور وباطل

ولمحمدبن أحمد بن أبي مرة المكي مثله، وهو:

إذا المرء لم يدرك بعينيه ما يرى = فما الفرق بين العمى والبصراء

وغضب سيف الدولة من كثرة مناقشته في هذه القصيدة، وكثرة دعاويه فيها، وضربه بالدواة التي بين يديه،

فقال المتنبي في الحال:

إن كان سركم ما قال حاسدنا = فما لجرح إذا أرضاكم ألم

فقال أبو فراس:

أخذت هذا من قول بشار:

إذا رضيتم بأن نجفي وسركم = قول الوشاة فلا شكوى ولا ضجر

ومثله لابن الرومي وهو:

إذا ما الفجائع أكسبني = رضاك فما الدهر بالفاجع

فلم يلتفت سيف الدولة إلى ما قاله أبو فراس، وأعجبه بيت المتنبي، ورضي، عنه في الحال، وأدناه إليه، وقبل رأسه، وأجازه بألف دينار، ثم أردفه بألف أخرى،

فقال المتنبي:

جاءت دنانيرك مختومة = عاجلة ألفا على ألف

أشبهها فعلك في فيلق = قلبته صفا على صف

لا شك أن المشهد يستحق أن يصاغ في قالب مسرحي أو درامي لكثرة تحولاته وللصراع الذي يحتويه ولنهايته التي آلت لمصلحة أبي الطيب.

ـ[أحاول أن]ــــــــ[22 - 12 - 2008, 04:55 م]ـ

جزيت خيرا أستاذنا بحر الرمل ..

قيل: لو كان المتنبي من اهل المعلقات لكانت هذه معلقته .. وكثرت حولها الروايات وتعددت في آثارها القصص ..

ممن عمل برأيك -سلفا - د/ غازي القصيبي الذي جعلها القصيدة المسرحية في كتابه: قصائد أعجبتني ..

ما أشك فيه أن تنتهي بألف ألف دينار!! لأن المتنبي خرج مغاضبا كما ذكر كثير من المتقدمين والمتأخرين ولعل من أجملهم العلامة محمود شاكر في كتابه "المتنبي .. رسالة في ثقافتنا " والعقل والمنطق يأبيان أن يقبل المتنبي بعد كل هذه الثورة بقبلة رأس وألف ألف!!

شكر الله لك أستاذنا، ولا تزال القصيدة كما قيل تزيد جمالا كلما زدناها نظرا ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير