تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[شياطين الشعر بين الحقيقة والوهم]

ـ[الأديب بدر]ــــــــ[09 - 10 - 2008, 03:15 م]ـ

شياطين الشعر ... الوهم والحقيقة

الكتابة عن قضية "قرين الشعر"أو " شياطين الشعر" في الأدب العربي تبدو أقرب إلى المخاطرة، والبحث الطويل، لقِدم جذورها، وصعوبة الوصول إلى كنهها، أو القطع بحقيقة تقنع السامع، وتزيل الشك عن القارئ؛ لأن النقاش لن ينقطع في هذا الموضوع خاصة عند أهل الأدب لتباين موقفهم بين الرافض للفكرة والمتقبل لها، وهذا المقال محاولة للخوض في هذه القضية الأزلية المهمة التي شغلت الكثيرين، وأشغلت الباحثين.

ومقولة " شياطين الشعر " انتشرت في تراثنا القديم كمحاولة لتفسير ظاهرة الإبداع الشعري،وكثيرا ما قرأنا عن " شيطان الشعر " لدى الشعراء، وكثيرا ما ذكر الشعراء ذلك في أبياتهم، حتى غدا رمزا بَيّن المعالم لكل شاعر أن يكون له شيطان شعري، يفاخر بفحولته وقوته. ومولد هذه القضية وجد في العصر الجاهلي،حين ساد اعتقاد بين العرب أن لكل شاعر شيطاناً يوحي إليه، ويلهمه البيان الشعري، والإعجاز اللغويّ الذي يقصر عنه العامة، و تُخاذلهم عن طلب تحقيقها، أو ظنها مستحيلاً، بعد أن يخبره بالأمور، و يزوده بالأحداث، ثم يلقي على خياليه الإلهام الجميل، و التصوير الدقيق، والنظم البديع، حتى قارب الأمر الاعتقاد، ومع ذلك كان الشعراء يتباهون بمنزلة الشعراء الذين يلهمونهم -في زعمهم الشعر- بل استفادوا منهم في مد نفوذهم، و الترقي في مراتب الكمال، ولأجل ذلك كانت العرب تقيم الأفراح والولائم عندما يظهر بينهم شاعر وما تلك الولائم والمناسبات إلا لذلك النبوغ المتميز الذي امتاز به ذلك الشخص دون غيره. فهل هذا الاعتقاد صحيح، وهل هناك شياطين للشعر والشعراء؟ هذا ما سأحاول أن أبعثه من مرقده، وأنفض عنه غبار السنين، وأجلي عنه صدأ الأيام.

فبداية لاشك أن مصادرنا الأدبية أمطرتنا بفيض عظيم من القصص التي تؤكد وجود الارتباط الوثيق بين الشعراء وشياطينهم، حتى لتكاد تكون تلك القصص أشبه بالأساطير التي نسجت لتناسب مكانتهم، وجودة شعرهم، ولا أستطيع الجزم هل أريد بهذه الأساطير الرفع من شأن بعض الشعراء، لدواعٍ عصبية و ذاتية؟ أم أن هدفها التقليل من أشعارهم للدواعي نفسها؟ لأنهم بذلك يُعدون رواة لشعر شعراء الشياطين؟! أم أن الأمر يرتبط بالسحر والكهانة، وفق اعتقادهم،إذ كانوا يسجعون بكلمات غير مفهومة كان الناس يعتقدون بأن الجن يلقنونهم إياها، مما حدا ببعض باحثي الأدب أن يعدّ ذلك السجع هو بداية فن الخطابة (1).

ونحن إذا عدنا إلى طفولة الشعر العربي نجد الروايات تتفق أنه نشأ متدرجاً من أناشيد، و تراتيل،وأراجيز، وتولد من السجع (2) يدل على ذلك ما جاء في القرآن عن العرب ووصلهم بين الشعر و السحر و تعاويذ الكهنة، كقوله تعالى:"إِنه لقول رسولٍ كرِيم , وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون , و لا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون " [الحاقة: 40 - 42].فقوله تعالى: «و ما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون» نفيٌ أن يكون القرآن نظمًا قاله شاعر، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن شاعرًا، وقوله تعالى: «و لا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون» نفي أن يكون القرآن من قول كاهن أخذه النبي - صلى الله عليه و سلم- عنه.

والمعروف عن العرب أنهم كانوا يربطون بشكل أو بآخر بين الكهانة والشعر , باعتبار الشعر نشاط إبداعي غير عادي , وسجع الكهان لوناً من ألوان فن القول الذي يندرج في إطار الفن الأدبي, بل إن بعض الباحثين يرون أن الشعر قد تطور عن هذا الفن (3).أما القول بوجود القرين الشياطني كباعث للإبداع الأدبي فنجد شذراته عند اليونانيين الذين كانوا يستجدون قبل نظم أشعارهم ربَّات الشعر، وذُكر عن أفلاطون أنه لم يستقبل الشعراء في مدينته الفاضلة، لأن الشاعر ينظم شعره عن إلهام، وحالته تشبه حالة الجنون، فشعره لا يصدر عن عقله، فهو كاذب، وسيضر المجتمع حسب رأيه. (4)

والسؤال هنا هل حكاية وادي عبقر، وشيطان الشعر الذي يملي الإلهام على الشعراء تعدّ من الخرافات المتناقلة، أم أنها من المسلمات، وإلا فكيف يمكن لشاعر كفيف أن يصف أشياء محسوسة، أو يتغزل في جمال امرأة، ويصف بدقة ملامح جسمها؟!!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير