تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[لنتحاور حول هذا البيت]

ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[18 - 12 - 2008, 06:38 ص]ـ

أتتني فكرة عابرة، فقيدتها وهي سائره، لئلا تطير كالطائرة، وحينها لا ندري إلى أي مكان صائرة،

وملخصها: أننا نقوم بوضع بيت واحد، ونحاول قتله بحثا، وأخذا وردا، ولمَ ولمَ لم يكن ...

لنجعل البيت نقطة انطلاق ننطلق بها للتحدث عن أي شيء له صلة بالبيت، لنرى روح كل منا فيمَ يرى وكيف يرى؟

ولن تتوقف هذه الصفحة على أحد معين، بل كل يكتب ما يراه ويشمه من البيت.

ولن أقول: أريدكم أن تخرجوا ما في جعبكم من رؤى في البيت، فهذا شيء لا بد منه، ولن يستمر شيء إن لم يتكاتف الأخوة.

وأرى أن نبدأ بهذا البيت:

بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي ..... فجودا، فقد أودى نظيركما عندي.

ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[18 - 12 - 2008, 11:01 ص]ـ

بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي ..... فجودا، فقد أودى نظيركما عندي.

في هذا البيت يصور الشاعر الألم الذي خلّفه له ابنه عندما رحل، فآهٍ ثم آهٍ من لوعة الفراق، وخصوصا المفضي إلى عدم اجتماع على ظهر البسيطة.

صور الشاعر حزنه وترجمه إلى كلمات؛ لكي يشفي من غليله المحرق له، فالكلمات تنفس عن المكبوت، وتريحه حينما يبحث عن الراحة، وقد قال شاعر:

كلماتنا في الحب تقتل حبنا ..... إن الحروف تموت حين تقال.

فعندما يجتمع الحبيبان ويتآلفا، يريد كل منهم أن يحدث الآخر، وفي نفس الوقت يريدان الاستماع من بعضهما، فيشير هذا الشاعر إلى أن الصمت أفضل من الكلام! فحينما تتحدث عن الحب ينتهي الحب، والحروف إذا أُخرجت بعدما كانت محبوسة تطير في الهواء وتموت ويموت كل الحب الذي قُضي فيه أياما أو شهورا أو سنينا حينما ننطق به، فالأفضل الصمت على الكلام، ولهذا السبب - أو لغيره - قد يكون العرب فضلوا الابتعاد عن القرب في السكن، لأنه بالقرب يحدث الكلام ومن ثم قد تكون النزاعات فالفراق، ولهذا قال شاعرهم:

سأطلب بُعد الدار عنكم لتقربوا ..... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا.

هذا الشاعر سيطلب بُعد الدار، ولاحظ - أخي الكريم - السين التي تدل على محاولته التي سيحاولها، فعادتهم الاجتماع بجانب بعضهم، فكأنه يمهد هذا الشاعر للبعد حينما بث الخبر بواسطة قناتهم الأولى، ألا وهي الشعر، فسيطلب بُعد الدار ليقربوا، فهي قربى معنوية لا حسية، وما أجمل الأولى ولو فُقدت الثانية، فإنها لا قيمة لها.

نعود لشاعرنا، فحينما صور لنا حزنه بالكلمات أبان لنا بأنه قد عانى الأمرين من فقده لولده، فلم يجد متنفسا بعد الكلام إلا البكاء، البكاء! نعم البكاء، حرارة خارجية برودة داخلية، هذه هي حال الباكي، نحزن ونغضب ونقلب نفوسنا إذا رأينا من نحب يبكي ونحاول أن نمنعه عن ذلك وإن لم نصرح، فلا يريد الشخص تقطيعا لقلبه أكثر مما هو مقطّع، ولكن لو علم من يرأف بحال الباكي أن البكاء يريح النفس ويفرغ الشحنات الداخلية ويعود لحياته الطبيعية - لو علم - لما أوقفه عن البكاء ولجعله يبكي ويبكي حتى ليظن من رآه أنه لن يبكي بعد ذلك أبدا فقد أخرج كل دموعه التي يملكها، فكل شيء محدد للإنسان ولن يموت إلا وقد وفّى كل الذي له وعليه. ولهذا علماء النفس في العصر الحديث ينصحون من يعاني بالبكاء حتى يعود لحالته التي كان عليها.

بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي ..... فجودا، فقد أودى نظيركما عندي.

يقول: " أودى نظيركما عندي ": يخاطب الشاعر ها هنا عينيه، فقد جردها وتصور أنهما أمامه يحدثهما لشدة ما أصابه، فكأني أراه قد اضطرب من شدة الفاجعة، ولم يعد يدري ما الذي يحدث؟ والذي لا يدري ما الذي يحدث هو السكران! والسكران غاب عقله بسبب خارجي تناوله، فلا يدرِ أين هو؟ وأين مكانه؟ ومن هو أصلا؟ أما وإني أشبه الحالة التي أصيب بها شاعرنا تشبه حالة السكران ولكن دون فعل محرم منه، بل بسبب حادث قوي أصابه. ففي هذه الحالة المزرية التي أصابته في ريحانته، تمثل له أن العينين شخص يكلمه، فأخذ يخاطبهما ويقول: أكثرا من البكاء فقد هلك شبيهكما عندي. هنا الشاعر يخاطب عينيه ويريد النتيجة المفضية من وجودهما إن كانت العينان مبصرتين، فإنه لا يريد العين ذاتها، فما قيمتها إن كانت موجودة ولا يرى الإنسان منهما، فالحمد لله على نعمة البصر الحمد لله. العين نعمة كبيرة أنعم الله علينا بها، فيجب شكر هذه النعمة: " ولئن شكرتم لأزيدنكم "، أغمض عينيك ثم افتحهما لترى الدنيا جميلة حينما تكون مبصرة، وإذا فقدها الإنسان فإنه يستعين بحاسة أخرى ليقرأ ألا وهي حاسة اللمس، ففكر ما هي النتيجة إن كان أيضا هو فاقدا لحماسة اللمس؟! ولقد كثر الحديث عن العين، ولا يُكثر من ذكر الشيء إلا لحبه، فانظر مثلا حينما تحدثوا عن صفات العين: إن كانت ضيقة فهي تدل على كذا ... وإن كنت واسعة فهي تدل على كذا ... وإن كانت ممتدة فهي تدل على كذا ... ، وتحدثوا أيضا عن لغة العيون، وما أجملها!

وإن كنت أرى أنه لا مجال للمقارنة بين فقد الابن والعين، وإن كنت لا أختلف معه في أن فقد الابن مصيبة وأي مصيبة وفاجعة كبيرة، فكما يقال:"الابن يأتي بدلا عنه ابن، أما العين فلا يأتِ بدلها "، صحيح أن الابن إن فُقد وأتى ابن غيره لا يكون مثله تماما في صفاته ولكنه يعوض على الأقل، وإن كنت مع ذلك كله أقول: " لا يستطع أحد أن يعوض مكان أحد ".

بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي ..... فجودا، فقد أودى نظيركما عندي.

يقول: أعلم أن بكاؤكما لا ينفع في رده، فما مضى مضى وذهب، ولكن استمرا في البكاء حتى أشفي غليلي ولوعتي قليلا، وقد يكون من باب إضاعة الوقت والانشغال عن المصيبة.

بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي ..... فجودا، فقد أودى نظيركما عندي.

بيت جميل يستحق الوقوف عنده كثيرا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير