[بيت ووتد ..]
ـ[السراج]ــــــــ[21 - 11 - 2008, 07:18 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
نظرة لبيت من الشعر أعجبت به جدا ..
أيها العاتب، الذي ليس يرضى ** نم هنيئاً، فلست أطعم غمضا
لله در الشاعر العبقري كيف حوّل الصفات والأدوار لصالحه بطريقه غاية في العذوبة والسلاسة، لا تكاد تحس معها بظواهر التغيير، ولم يحتج لهذا التغيير والتحويل لأبيات عديدة وأشطر مديدة لكنه ببيت واحد صنع تداخلا عجيبا مثلما يفعل الرسام حين يمزج الألوان والصور في لوحة واحدة ..
لا أدري لم استوحي ربطا وثيقاً بين العتاب وعدم الرضى، وهنا في حالة شاعرنا فإن معاتِبه يكاد يعتب من أي شيء فلا يرضيه شيء، بل أتى بها بصيغة الفعل المضارع دالة على الاستمرارية في عدم الرضى وكأنه جُبِل على ذلك ..
ولكن الشاعر اللطيفة كلماته يدعو هذا العاتِب للنوم والراحة فإن هناك من لا يذوق طعم الغمض والنعاس، يبذل جهده وتفكيره في إرضائك، والشاعر استطاع بذلك أن يقلب ميزان العتاب له، فصار ضمناً هو العاتب وليس محبوبه – وهذا ما يؤكده البيت التالي له:
إن لي في هواك وجدا قد استـ ** ـهلك نومي، ومضجعا قد أُغضّا
ومن جمال البيت إطلاق لفظة – نم – لمحبوبه العاتب، والنوم مرحلة بعد الغمض والنعاس، هويريدها راحة له، بل وأضاف أمام النوم لفظة – هنيئاً – مكملة ً لمستوى السعادة والراحة لهذا العاتب.
أما هو فيجاهد – بغمضٍ – ونعاس لا يطعمهما واختار ألفاظ دقيقة فكلمة (أطعم) أقل مرتبة من التذوق فهو هنا يشبه الغمض بالمأكل ولا يستطيع تناول أقل القليل منه، وينطبق ذلك على (غمضا)، من هنا جاءت عبقرية الشاعر في تحويل صفة العاتب إليه.
لكم شكري ..
ـ[أحاول أن]ــــــــ[21 - 11 - 2008, 08:26 م]ـ
ولله درُّك من متأمل ٍ متبصِّر .. لا ناظر فقط ..
صدقت حين قلت: الشاعر "اللطيفة كلماته "، فالجميل أنه لا يعاتبه تصريحا ولا يطلب منه -حتى تلميحا - أن يكف عن عتابه لأنه أزعجه، فقط يريده أن يرتاح! ألا يعاتب لينام فقط فهو محور الاهتمام ..
ما أشد حاجة قراءاتنا المعتمة إلى سُرُج ٍ كهذه، تبدد العتمة وتزيل الوحشة ..
فجُدْ علينا أستاذنا القدير- السراج- بضوء من عندك،لعلنا نتأمل أو نجد ُ على السراج إبداعا ..
وجزاك الله خيرا ..
ـ[السراج]ــــــــ[21 - 11 - 2008, 08:36 م]ـ
أحاول أن ..
شكراً لك على قراءتك، ثم على إضافتك سقيا للموضوع، ثم على تشجيعك ..
ماهو إلا بيتٌ استوقفني للشاعر.
وسأحاول أن أستمر ..
ـ[أحاول أن]ــــــــ[22 - 11 - 2008, 06:09 م]ـ
ليتك تُمتعنا بما يستوقفك دائما أستاذنا ..
مثل هذه الصفحات النيِّرات مما يؤدبُ ويعلِّمُ ويثقِّف ُ وبالتالي:يُفتَقَد .. وكم نفتقد مثلها من تأملات شيخنا الدكتور ابن هشام أعاده الله إليها وإلينا سالما غانما ..
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=4930
ـ[السراج]ــــــــ[22 - 11 - 2008, 08:31 م]ـ
شكرا لك (أحاول أن) على تشجيعي، وعلى الصفحة الرائعة الرائقة التي تثري العقول، استفدت جدا ..
(يافا الجميلة)
بـ " يافا " يومَ حُطَّ بها الرِكابُ ... تَمَطَّرَ عارِضٌ ودجا سَحابُ
ولفَّ الغادةَ الحسناءَ ليلٌ ... مُريبُ الخطوِ ليسَ به شِهاب
وأوسعَها الرَذاذُ السَحُّ لَثْماً ... فَفيها مِنْ تحرُّشِهِ اضطِراب
لم يخطئ شاعرنا حين جعل الليل يسترق النظرات هنا وهناك ويجول في شيء من الخفة، وكأنه لص دُقّ شخصه، حيث استعار له صفة من صفات الإنسان، ووجعل له خطوات بل وأضاف لها - نكهة – الريبة دلالة واضحة على بطئه واضطرابه، وكأنه قادم ليغتال أحلام الفتاة ..
و توازت هذه الصفة مع ليل مظلم غاب فيه سراجُه المنير وغابت معلم الأضواء من نجوم وكواكب فظللتها الغيوم التي أقبلت برذاذها على الغادة الحسناء – كما أطلق عليها الشاعر -.
فهي فتاة حسناء لفّها الليل بشموله وظلمته وكأنه رداء التفّ عليها، تمهيداً لمشهد سحري آخر – عناق قطرات المطر المشتاقة لمعالم المدينة الحالمة كما أبدع الشاعر في توليد معانيها واختيار ألفاظها في البيت التالي له:
وأوسعَها الرَذاذُ السَحُّ لَثْماً ... فَفيها مِنْ تحرُّشِهِ اضطِراب
¥