ولمّا فرغنا من الطعام ِ، وتطارحنا الحديث َ والكلام َ، جاءنا الفستقُ واللوْز ُ، وتمر ُ الهند ِ والجَوز ِ، فقلت ُ لمن شرّفنا بزيارته ِ، وأكرمنا بحسن ِ ضيافته ِ: تعلّم ْ بأن ّ الله َ أنعم َ عليك َ، وأكثرَ فضلَهُ لديكَ، ليرى أتشكرَه ُ أم تكفرَه ُ، فانْ شكرتَ فبالشكر ِ تدوم ً النعَم ُ، وأنْ كفرتَ استحال َ الوجود ُ الى عدم ٍ،ولا يغرّنْكَ الأصحاب ُ وأن كثروا، فقد اختار َ موسى قومَهُ سبعين َ رجلاً ثم ّ كفروا، ولا يصُدّنك َ زخرف ُ مدح ِ الطُرّاق ِ، عن شكر ِ الواهب ِ الرزاق ِ، واعلم ْ أنّ بعض َ الناس ِ يُصاحبون َ دنانير َ الرجل ِ ودراهمَهُ، ومشاربَهُ ومطاعمَهُ، فإنْ درّت عليهمْ عظموهُ وبجّلوهُ، وفوق َ الجوزاء ِ رفعوهُ، وإنْ أجدبتْ أرضُهُ وأمسكَ سحابُهُ، لم ْ يُطْرق ْ بابُهُ،
كما أنّ بعضَ الاصدقاء ِ خيرٌ من الامّهات ِ والآباء ِ، فقال َ بعضُ صُحبتنا ممن أنكرتُ شكلَهُ، ولم أنكر ْ صوتَهُ وقولَهُ: صدقْتَ، ردّدها بصوت ٍ شجيّ ٍ، يعبّرُ عن قلب ٍ بالهموم ِ ملي ّ ٍ، إنّ الصديق َ الصدوق َ، أعزّ من بيض ِ النُوق ِِ، وإنْ وجدَ الصديق ُ المخلص ُ فاعلمْ، أنهُ خيرٌ من الأب ِ والأم ّ، وأذكرُ ذاتَ مرّة ٍ، وفي الذكرى عبرة ٌ، جنى الدهر ُ علي ّ وجارا، وألجأني الى خمسينَ دينارا، وليس للخمسين َ ديناراً قيمة ً، فلا تفكّ أسيراً أو تقيّدُ بهيمة ً، ولكن بي اليها حاجة ٌ عظيمة ٌ، اذ ْ كانَ جيبي خاوياً على عرشه ِ، وكادَ طفلي أن ْ يُحمل َ على نعشِه ِ، من كثرة ِ البكاء ِ والشكوى، يريدُ النقود َ ليشتري الحلوى، وكان َ في المجلس ِ الذي ضمّنا أهلونا وبنو قرابتنا، فتصامّ َ بعض ٌ وتخارس َ الآخر ُ، واحمر ّ بعض ٌ وبعض ٌ تصافرَ:
خالي أصم ّ وأعمامي لقدْ خرسوا * لمّا سألْتُهمُ خمسينَ دينارا
وعمّتي فمُها جف ّ اللعاب ُ به ِ * وجدّتي عقلُها من غيظها طارا
وراحَ جدّي مديراً طرفَ سِبْحتهِ * فقد دهاهُ عظيم ٌ فيه ِ قد حارا
وخالتي رَعَشتْ كالسعف ِ منتفضاً * وذاقت ِ الموت َ تكراراً وتكرارا
رمقتُ أمّي بعيني وهْي َ مطرقة ٌ * وعمرُها ناهزَ الستينَ أو جارى
تحسّرتْ وانبرتْ بالغيظ ِ قائلة ً * قد كان َ مهري َ أرباعاً وأعشارا
فقال َ لي والدي: أغضبتَ أمّكَ يا ... . * فلمْ أكلّمْهُ إجلالاً واكبارا
ولم ْ يكن شاتمي حبّاً بوالدتي * لكنّه ُ قد خشى أنْ دورُهُ دارا
وقال َطفلي ودمعُ العين ِ منحدرٌ: * أبي ألمْ تجلب ِ الخمسينَ دينارا
فقلتُ: لبيكَ يا طفلي سأجلبُها * أو لا تسيلُ دماء ُ القوم ِ أنهارا
حتّى اذا صاحبي وافى فقلتُ له ُ: * أهلاً بمن أفتديه ِ الأهل َ والجارا
واستقبلته ُ ورحبتُ به ٍ أسنى وأبهى ترحيب ٍ، وفدّيتهُ بكل ّ قريب ِ وغريب ٍ، وأجلستهُ مجلسَ الحبيب ِ من الحبيب ِ، فأعادَ جيبي مفغوراً فاهُ، وأسكتَ طفلي وأرضاه ُ، فقلتُ مخاطباً إياه وقاصداً غيرَهُ: من لم ْ ينفعْكَ في السهل ِ اليسير ِ، فلا ترتجي نفعَهُ في الفادح ِ الكبير ِ، ومن لم ْ يَجُدْ عليكَ بالنقود ِ، فبنفسِه ِ لنْ يجودَ، فلله ِ درّكَ من صاحب ٍ، افديه ِ بالأهل ِ والاقارب ِ.
قالَ عبداللهُ بن آدمَ:ولمّا انفض َ بنا المجلس ُ تبعتُ الرجلَ المُتكلّم َ، وقد زادتني به ِ مشيتُهُ زيادة َ علْم ٍ، فارتأيتُ أنْ أناديه ِ باسمه ِ، فإن ْ ردّ جوابي، فهوَ الاديب ُ الكبيرُ أبو علي ّ ٍ الترابي، فناديتهُ بصوت ٍ جَهْوَريْ، فوقفَ ورَجِعَ القَهْقريْ، فلمّا وصلتُ اليه ِ ضحكَ بفتور ٍ، فقلتُ لهُ على الفور ِ: لن يختبئ َ الجحفلُ اللجب ِ، في جُحْر ِ ضبّ ٍ خرب ٍ.
شاكر الغزي الثلاثاء
14/ 8/ 2001 م
تمنياتنا لباقي الأحبة بالفوز من خلال مشاركات جديدة في نصوص تشرين الثاني، نخص المتميزين في مجال الشعر: شاكر الغزي، د. جمال مرسي، صابر أبو سنينة، حذيفة، لؤلؤة البحر، نسيبة، أبو الأسود، ياسر الحمداني، القناص، سامي ثامر ...
وعبد الوهاب في مجال النثر.
الموضوع مفتوح للجميع للتهنئة والتعليق
ـ[أبو طارق]ــــــــ[05 - 10 - 2006, 04:46 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بورك هذا الانتقاء , وبورك هذا التألق والإبداع.
سلمت أيمانكم أبا الحسن وبارك الله فيكم
ـ[نسيبة]ــــــــ[07 - 10 - 2006, 05:06 م]ـ
وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته
بارك الله في جهودك أستاذنا الفاضل جهالين
هنيئا للمبدعين أصحاب النصوص المنتقاة
و دعاء بالتوفيق والسداد لجميع الأعضاء و المشرفين.
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو-أحمد]ــــــــ[10 - 10 - 2006, 07:01 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
كوني أحد الفائزين، أعتبر فوزي شرفا لي منحتني إياه لجنة الأشراف العام. بارك الله في جهود الأساتذة الكرام.
أهنيء الفائزين، وأدعو لغيري من الأعضاء المحترمين بالفوز مستقبلا.
أما الأخت نسيبة فلها خالص الإحترام لما أبدته من تهنئة ودعاء.
¥