تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حتى تصبح كاتبا!]

ـ[رائد عبد اللطيف]ــــــــ[30 - 11 - 2006, 12:09 م]ـ

حتى تصبح كاتبا

(مقالة)

تكررت على مسمعي، وكنت لم أبلغ الخامسة عشرة، مصطلحات مدرب الرماية، وكان يرددها مع كل تقدم لنا إلى حقل الرماية (تقدم1 .. سدد2 .. أطلق3)، أما إذا أخطأ أحدنا في ترتيب هذه الكلمات، تقوم على رأسه الدنيا ولا تقعد.

كلمات صعبة في وقت مضى، أصبحت ذاكرة تدون، تمرُّ الآن عابرة كما خطرات النسيم.

لم أفكر وقتها لماذا هذا الترتيب الكلامي والزمني؟ وكنت أحسب ألا معنىً .. لكنني أدركت بعد زمنٍ أنني لو غيرت الترتيب لكانت الطامة، ولأرديت- خطأً- نفسي أو أحدهم قتيلا ..

- سدد .. أذهلتني وأوفدت فكري غيثا من عِبرها ..

- سدد .. قبل أن تُطلق، لأنك لو أطلقت قبل، لما أصبت الهدف، وهل يُحقق هدف دون عين راصدة وحاذقة؟.

- سدد .. قبل أن تطلق، فلو أطلقت، لما أصبت عين الحقيقة، وكيف لا تَظلم أو تُظلم وقد أطفأت نور الحقائق.

- سدد .. فأنت الرامي، فلو أطلقت، لأصبحت أنت الهدف، ومحال أن يخطئك الهدّاف.

- سدد .. ثم أطلق، فلو أخطأت مرة، فلا بدّ أن تصيب في الأخرى .. ما من عاقل يدور في خلده هذا التفكير، إلا وأرجع العقل إلى ذلك العمل المنطقي التسلسلي البسيط والدقيق، وما من جاهل أغفل تسلسل درجات سلم الصعود، إلا وأدرج الكل تحت رحمة الجزء، واختلط حابله بنابله.

لا عدمتُ قلماً ما عرف من الكلمات سوى الهامشي، فما ميّز بين الجزء والكل، وبين العظيم والصغير، وبين الحقيقة والزور، فلا تقدم .. ولا سدّد .. وأطلق وما قدر؛ فقتل كيف أطلق، ثم قتل كيف أطلق، فهل حصد إلا كلمات لو طلبت من تلميذ أن يقول، لقال واستعلى.

لم يعتد المتفيهقون من الكتاب- الذين لم يتمرسوا أو على الأصح لم يعرفوا من الجَمل إلا أذنه، وما عرفوا أذنه- أن يتركوا وقتا لعقولهم حتى تستوعب ما تقول أو تكتب.

- أيُّها الكاتبُ:

"إنَّ عمادي هذا القلم، وإنه لغصن من أغصان الجنة لمن يستحقها، وإنه لحطبة مشتعلة من حطب جهنم لمن كان من أهل جهنم". مقولة للأستاذ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى كانت تترد في ذهني دائما، أنقلها إليك.

- أيُّها الكاتب:

أفحْ رائحة طيبة حتى لو كنت ناقدا، فليس القلم إلا أنت، وليست عقول الرجال إلا في رؤوس أقلامها، وليست صدورهم إلا مكاتب لعلومهم، لا أسواق تعرض فيها بضائعهم.

لا عدمت كاتباً قد أقفرت وأجدبت ساحات فكره، فأصبح يتغنى بكلمتين ونصف الكلمة، التقطها من بطون أوراق تطايرت على أرصفة بائعي "الفلفل"، وأصبح يرقص على إيقاعات الزمان، فلَبِسَه قول الحافظ البُستي:

إذا أحسستَ في لفظي فتوراً = وعلمي والبلاغة والبيانِ

فلا ترتبْ بفهمي إنَّ رقصي = على مقدار إيقاع الزمانِ

وما طلبي من مثل هؤلاء إلا أن يتقدم بفكره، ثم يسدّد القول، ثم بعدها يطلق .. فأول العلم الصمت، وثانيه حسن الاستماع، وثالثه حفظه، وآخره نشره، وما قالها الثوري "سفيان" ليأتي آخر الزمان أحدهم لـ ينشر ... ثم يسيء الاستماع .. ثم بعد ذلك يصمت ..

الكاتب الحق من اجتهد ليجعل يراعه إنسانا كاملاً، منصفاً، لا إبرة يخيط بها من يشاء فيما يشاء، إنساناً ليس همُّه أن يقال فيه كاتباً، أو يُشهَّر في المحافل، فليس كل من كتب كاتبٌ، وقلمُك بغير فكر ما هو إلا مغزل، ولن تنال به إلا الذمَّ عاجلاً أم آجلا، فمن الأولوية، أن تكون كاتباً منطقياً لا متمنطقاً.

- فيا أيها الكاتب، حتى تصبح كاتبا:

تقدم ... وسدّد ... ثم أطلق ..

رائد عبد اللطيف

17/ 12/2006

ـ[خالد مغربي]ــــــــ[30 - 11 - 2006, 12:27 م]ـ

ما من عاقل يدور في خلده هذا التفكير إلا وأرجع العقل إلى ذلك العمل المنطقي التسلسلي البسيط والدقيق، وما من جاهل أغفل هذه العبرات إلا وأدرج الكل تحت رحمة قلم ما عرف من الكلمات سوى الهامشي، فلم يعد عنده تمييز بين الجزء والكل وبين العظيم والصغير وبين الحقيقة والزور، فلا تقدم .. ولا سدد .. وأطلق وما قدر، فقتل كيف أطلق، ثم قتل كيف أطلق، ليترنح بكلمات لو طلب من تلميذ لي أن يقول، لقال واستعلى.

لله أنت رائد

الفكر شعلة، والقلم حدان، وفي الرأس وجهات متعددة!!

تحياتي

ـ[أبو-أحمد]ــــــــ[30 - 11 - 2006, 12:47 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الرائدُ الذي لا يكذب اهله،

لله درك. لقد تطرقت إلى موضوع هام جدا ليتنا نتعظ بما جاء فيه.سدد الله، جل وعلا، خطاكَ، ونفعنا بما تقول، وبارك الله فيك، وأدام عليك ظله وأمانه، ورحم الله أستاذنا علي الطنطاوي الذي كان على جانب عظيم من العلم والصدق فيه، آمين.

ـ[رائد عبد اللطيف]ــــــــ[30 - 11 - 2006, 01:09 م]ـ

لله أنت رائد

الفكر شعلة، والقلم حدان، وفي الرأس وجهات متعددة!!

تحياتي

إنما كانت مقدمة على من يكتب ولم يحط علما بالموضوع الذي كتب عنه

وجزيتم خيرا

ـ[رائد عبد اللطيف]ــــــــ[30 - 11 - 2006, 04:14 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الرائدُ الذي لا يكذب اهله،

لله درك. لقد تطرقت إلى موضوع هام جدا ليتنا نتعظ بما جاء فيه.سدد الله، جل وعلا، خطاكَ، ونفعنا بما تقول، وبارك الله فيك، وأدام عليك ظله وأمانه، ورحم الله أستاذنا علي الطنطاوي الذي كان على جانب عظيم من العلم والصدق فيه، آمين.

شكرا على هذا الإطراء الذي قدمته أخي الغالي، وهذا من حسن ظنك بي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير