تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[المقامة الباريسية]

ـ[القسورة]ــــــــ[02 - 12 - 2006, 11:30 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم.

يا "أهل الدار" هذه أولى مشاركتي بمنتداكم، فإن لم تروقكم أعود أدراجي.

حدّثنا قسورة فقال:

بينما كنت اطرح عن نفسي الكسل، و انا غارق في الأمل، شعور بالملل لكثرة العلل، بما قد لاح من تجاعيد الصباح، و ما تعودنا من روتين و ابتعاد عن الدين .. وانا على هذه الحال و المنوال، اذ اقترب مني استاذ، بالنسبة لي ملاذ، و عن عصرنا شاذ، يحفظ القريض، و ينهل من العريض. و لي معه صحبتي و قراري، لأني لا أراه يداري، و الحاذق في بحره لا يجاري، يبعث دومًا اصراري، و يقتفي آثاري، فكأنما يسير في فلكي و مداري، و امامه لا أكتم اسراري، و احبذه في جواري.

و كالعادة بما يبعث على السعادة، بادرني بمعسول النحو، و رونق الشدو، لا يعكره دلو و لا يضيق به بهو. بالشعر حيّاني و نفض الغبار عن آذاني، آهٍ! فقد ايقض اشجاني، و الى المتنبي رماني، و الحقني بالحريري و الهمذاني. فاندفعت ألملم أوراق زماني .. فكفكف مدامعي و التقط مجامعي حين ردّد على مسامعي:

حيتك عزة بعد الهجر وانصرفت ****** فحي ويحك من حياك ياجمل

حدث هذا و نحن في موطن الفرنسيس بمدينة "باريس " التي قيل عنها ما قيل انها " بلد الجن و الملائكة ".و كلها تخرصات و أقاويل.

هذا، و كنت قد علقت منذ أمد اوتاري .. و الجمت افكاري، و غيبت جواري، و كنت قد طويت مداري، و اعتكفت ـ إلاّ عن العمل ـ بداري.

هذا، بعد ان جفاني الزمان، و تبدل الخلان، و تداخلت الالوان و الغشاوة عمت المكان، فلا أفق و لا أمان، و الرداءة اصبحت العنوان، و نكست الرؤوس عن الابدان، و استبيحت الاوزان، و قول " الحق " من الشيطان، و العبث طال الارصفة و الجدران.

في هذا الزمن اختزلت الاشياء، و في الوطن العربي تناطحت الاهواء، و استفحل الداء و عظم البلاء، و تحزبت الغوغاء، و استرجلت حواء، و الرجل قد غاب عن الاضواء.

نعم حدث عند العرب الكثير، و الامر هام و خطير، فلا كبير و لا صغير، و كل من هب و دب له ما يدير، و لو المتاجرة بيع الخمر و لحوم الخنزير، و رغم الأذى و النفير، و ما بالعراق يصير. كأني بالرهط في تخذير، و بلا ألباب تسير، و منهم من لا يعتبر رغم الذي ننتظر من هذا المحيط القذر.

و المصيبة ان الكل يعلم بأن لا احد سيسلم، و لو ارتقى بسلّم مصاف الامم، فلامحالة من نصيبه الالم، و الموت القادم الذي لا يرحم، فالطالع ندم و الحاضر سقم.كأن الشاعر يعنينا في قوله فينا:

ارى حمرًا فوق الصواهل جمة ****** فأبكي بعيني ذل تلك الصواهل

أعادني صاحبي الى الوراء، اجول بخاطري في تلك الاجواء، حيث الحال غير الحال و الامل يسعه المجال، بل تمتد الآمال في أفق الخيال، ان للخطاب فصله و للوزن نظمه و للجمهور نجمه، لا يعتريه قصور و في تحديه جسور، و عن ذوقه غيور. متجذر في أصوله، مترفع في ميوله، ينأى عمّا يضنيه الى ما يغنيه، الوفاء منتهاه و العتق هواه.

و الاذن تحنّ للكريم، و الذوق السليم، و تطرب بعبد الحليم، و تنفطر القلوب و تحوم مع قصيد ام كلثوم، و لا نفيق من الألبوم و عبث الروم، و الصدى المعدوم. ناهيك عن الصخب المبهم، و اللحن الافرم، و سفور عجرم و هي تداعب الزجاجة، اشهار و حاجة، لتسويق دجاجة.

و رددت قول الشاعر:

جيفة انتنت فطار اليها ****** من بني دهرها فراخ الذباب

قلت لصاحبي: كان للتربية مهد، و للعربي عهد، و للبيد فهد، و للجار حرمة، لا تصادم و لا ازمة، و لا يصنعها مال، بل اخلاص الرجال، فالعزم و التضحية نضال. فالكل يساير دهره و يدرك قدره، و لا يكشف ظهره.

قاطعني داحضًا، و لامني واعضًا: صيرورة الزمان و شروط المكان، فكلامك مدان فعالمنا اليوم واحة كله فسحة و ساحة، و الناس في راحة فضاء إليك و أنس بين يديك، فخذ مما يليك. و انشد قائلاً:

تحلو الحياة لكل ثغر باسم ****** و رشّ عطرها في الفؤاد الحالم.

فامرح وخذ ممايليك فكلها ****** وردٌ تفتح بالأريج الدائم.

شعرت بانقباض و قلت في امتعاض: ترتيبنا في الذيل، و بنا طفح الكيل، علوج في بلادنا تصول، و يقعدنا الذهول، و الأذي يلحق بالرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ و لا أمل بادي و لا حياة لمن تنادي، و مناّ من يرى الامر عادي.

كل هذا المجون، و الكفر المجنون و ما يهدد البطون. فالخلق في ارق و قد قتلها القلق، و الصدر ضاق و فاض، و تهددت الحياض .. ؟

حاول صاحبي كي يجامل، ثم عض الانامل، و ناء كالبعير في تحسر كبير صرخ و جال، و استدار و قال: الى متى السكوت و اليوم منا يفوت ..

ثم انكمش في دثاره متسائلاً في قراره، متحاملاً عن جواره. و القدم منه قد جف و الوجه خسف، الفصل انكشف و الوضع انتصف، فالضر يحوم جراد محموم، القصد معلوم، و الدرس مفهوم.

و من وحي الفراسة، قال ما بال الساسة، و تجار السياسة. احزاب و حكام الكل نيام يتيهون على الدوام، كاسراب الهوام، ألا يعتبرون بصدام؟ ..

تأوه صاحبي و تأوهت، و من الاسى مهمه و مهمهت، انكسر الحلم و انشطر الظلم. و انحصر الأمام، و غاب الإمام، فتعلثم الكلام و جفت الاقلام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير