تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[المقامة البرذونية!!]

ـ[شاكر الغزي]ــــــــ[23 - 12 - 2006, 01:38 م]ـ

المقامة البرذونية

حكى عبد الله ابن آدم، فقال: خرجتُ ذات َ مساءِ يومْ، وقررتُ أهجرَ القومْ، طلباً لراحةِ الذهن وصفاء البالْ، فقصدتُ باديةَ الشمالْ، وبينا أنا في منتصف ِ الطريقْ، رأيتُ نسوة ً في فريقْ، على عُذَيبِ الماء جالساتْ، وللشعور ِ ناشراتْ، والبرقُ يخطفُ ناظريْ من الأسنان البارقاتْ، فعلمتُ أنّ من قالَ هذا البيتَ ما ماتْ:

تذكرتُ ما بين العذيب ِ وبارق ِ = مجرّ عوالينا ومجرى السوابق ِ

فلمّا دنوتُ جعلنَ يملئنَ القِربْ، ويتهامسْنَ في أدب ْ، ورأيتُ عليهنّ الأصفرينْ، وعندهنّ الأسودينْ، فقلتُ السلامُ على معشر ِ البخيلاتْ، فقلنَ وما ذاكَ؟ فقلتُ: كذبْنني ببعض ِ تميراتْ، فضحكنَ وقلنَ: أجلسْ أيّها الظريف ْ، وإليكَ التمرَ والرغيفْ!.

وكانت بينهنّ زنجيّة ٌ سوداء ْ، وعليها ملامحُ البضّة الحسناء ْ، فقالت: هل لك أنْ تولجَ النهارَ في الليلْ، فقلتُ: معاذ َ ربّي ولكِ الويلْ!، إذا كنتِ بكراً فاخْشَي الساعه ْ، فقالت: نعوذ ُ بالله من كساد البضاعه ْ، قلتُ: فعلامَ تتركينَ الطيّبَ المحلّلْ، وتريدينَ خبيثَ المأكلْ، فقالت: حلالٌ ولكن غيرُ طيّبْ، وغيثٌ ولكن ليسَ بصيّبْ، فقلتُ: قاتلك ِ الله ماأفصحَ بيانَكْ، فأيّ نسب ٍ على ذا أعانَك، قالت: أنا من بني الفاعل ِوالمفعول - فعجبتُ ممّا تقول ْ -، وصفتي ثابتة ٌ على كلّ حال ْ، وفعلي تمييزُ أفعال الرجالْ، وظرفي مُصغّرٌ للتوكيد والحصْرْ، أجاءَ زيدٌ أم قامَ عمْرْو، فطاوعني في درهمينْ، فإنّ الخيرَ عندَ الرجلينْ، فقلتُ: لو طاوعتكِ فأبلهُ من باقلْ، وأحمقُ من عجل ِبن وابلْ، فانصرفتُ عنها وهْيَ تضحكُ منّي، وصويحباتُها لا يظُنَنّ إلا ظنّي، فقلتُ: إنكنّ صويحباتُ يوسفَ الصدّيق، فإياكنّ والجلوسَ في الطريقْ، فقلنَ: وأنتم من القيتموهُ في البير وقلتم ماتْ، وبعتموهُ بثمن ٍ بخس ٍ دراهمَ معدوداتْ، فضحكتُ وسرتْ، ثمّ عجبتُ فأنشدتْ:

بعضُ النساء ِ رياحينٌ خلقنَ لنا = فأطيبُ الطيبِ في شمّ الرياحين ِ

وبعضهنّ شياطينٌ خلقنَ لنا = نعوذ ُ بالله من شرّ الشياطين ِ

ما تلكمُ غيرَ شيطان ٍ تصوّرَ لي = في صورة ٍ من حسان ِ الماء والطين ِ

لا عفّة ُ المرأة الحسناء ِ كانَ لها = ولا حياءُ ذوات ِ العلم ِ والدين ِ

لوأنّها رفعتْ للبغي ِ رايتَها = لمّا تزدْ ما أتتهُ من أفانين ِومضيتُ وقد أحاط َ بيَ الدهَشْ، حتّى أدركَ عينيّ العمَشْ، فجعلتُ أتخبّطُ تخبّطَ العشواء ْ، تذملُ في ليلة ٍ ليلاءْ، يزيدها الزجرُ تيهاً في الفدافِدْ، فلا تسترشدُ براشدْ، حتّى رأيتُ ناراً مشبوبه ْ، وعندها خيمة ٌ مطنوبه ْ، فقلتُ: ألجاني الليل الى نار الكرامْ، فهل لطارق ٍ عندكم من مُقام ْ، فقالوا: على الرحب والسِعَه ْ، وإنّ في الدار لأربعَهْ، فكن خامس َ الجلساء ِ الصيْدْ، ولاتكنْ سادساً باسطَ ذراعيه بالوصيدْ، فلمّا رحبتْ بيَ الدارْ، واستقرّ بيَ القرارْ، حكيتُ لهم ما كانَ معي، وأغربَ ما مرّ بمسمعي، فأعجبوا وأذهلوا، وكبّروا وهلّلهوا، فقال شيخٌ بينهم صرورة ٍ مُتعبّد ْ، وراهب ٍ مُتشدّدْ، لقد وافقت مقولتك هوى في الفؤادْ، فعلّ في ذكره ِ لكَ إسعادْ، خرجتُ أغتدي على برذوني الأدهمْ، وما لي مالٌ إلا درهم ْ، فاستوقفتني جارية ٌ واقفه ْ، وقالت هل لكَ أن تجعلني لكَ رادفه ْ، فقلتُ: الى الركوب ِ البدار ْ، فلمّا ركبتْ قالت: ما أفرهَ الحمار ْ، ولمّا سرنا ساعة ً في مسارنا، قالت: ما أفرهَ حمارَنا، فقلتُ لها انزلي يا داهية َ الجواري، قبلَ أن تقولي ما أفرهَ حماري، فقالتْ: هل في الزواج ِ من عذرْ، وما سوى هذا البرذون ِ من مهْرْ، قلتُ: من ذا الذي لا يريدُ السكنْ، والشريكَ الحسنْ، قالت: فالبدارَ البدارْ، حتّى نصلَ الدارْ، فنكثرَ العناق ْ، وتلتفّ الساقُ بالساق ْ، وتعلمَ هناكَ مَنْ راقْ، فحُثّ برذونكَ الحرونْ، فقد شطّت بي نُوى شُطونْ، فقلتُ: لا تكوني لحوحة ً لجوجه ْ، ولا سموجة ً سذوجه ْ، فقالت: إنّكَ محبّ ٌ مدّع ٍ، ولستَ صادقَ تلوّع ٍ، فلمّا دخلنا الدار َ بانَ عليها الفتورْ، وقالت: فارَ التنّورْ، فقلتُ: في هذه ِ الأثناء ْ، سآوي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير