أوه ... من بالباب ... أستاذنا (الجهالين) ... يا له من شرف وأي شرف ... أي استحقاق هذا ... وأية مكرمة؟!!
قرأتُ قصيدة هادئة الوجد، تتمايس تراكيبها سلاسة مطبوعة، وتتهامس معانيها عذوبة مصنوعة، لم يتعب شاعرها في طِراد المعاني، ولم ينصب في اصطياد المباني.
ولنبدأ تحليلا مع شاعر لم يتكلف إلا قليلا، مع شاعر أورد زمام إبل اللغة اضطلاعا، وأصدر لجام خيل القوافي احترافا.
يا لله! شعرٌ ناقد، ونقدٌ شاعر! ماذا أبقيت أستاذنا الجهالين للمبدعين شعراء وناقدين؟!! ماذا أبقيت للقصيدة وصاحب القصيدة؟!! لقد ذهبت بالفضل كله ... لا جرم
صدر هذا المطلع مدجج بالموسيقى، بعفوية تألق تكرارها تنسيقا.
(طيْف ليْلى) تنساب التقفية الداخلية في طيْ و ليْ إيقاعا افتتاحيا، يؤسس لما بعده من إيقاع يناسب المعنى، الذي يناجي الطيف عودة، وكأنه يمد له خيوط الحنين بزوجين من الألفات، في ألفي لاء ليلى ولاء ألا، وفي ألفي لماما، وكأن هذه الألفات تسحب الطيف من بئر الغياب سحب الدلاء بلا ارتواء.
آااااااااااه
أمدها بامتداد ألفات المد التي استنبطها من ثنايا بئر الغياب.
إذا فأنت أيها الناقد العظيم لا تقرأ الشعر إلا موقعا مرتلا كما يجب أن يقرأ فلله درك موقعا ومرتلا!
مقترحا أن يكون العجز: نظرة من مودع وسلاما،
فالتخيير في أو يربك هذا التمني، فأولى أن يعضد النظر بالسلام في مثل هذا المقام.
رأيك موفق، وليس لي من عذر إلا ما يكون من حال المودع، فإنه قد ينظر وتحبسه شدة الموقف أو سرعة تتابع مشاهد الوداع من أن يسلم، وقد يسلم وهو ذاهل كذلك من هول الوداع، فلا ينظر إلى محبوبته نظرة تشفي وتفي وتكفي، فغالب شأنه حينئذ أن يكون مطأطئ الرأس منكسرا. لأجل ذلك غلبت استعمال (أو). على أن (أو) قد تأتي بمعنى (الواو). والله أعلم
كنتُ مفضلا أن تناسب مفردة تعشق مفردة تعسفت، فماذا لو كانت
إيهِ يا قلبُِ كم تغاليتَ وهْمًا = كمْ تعاميتَ باكيا أوهاماإنما ارتضيت لفظة (تعسفت) دون غيرها لما فيها من المشقة والكلفة، والعشق كذلك فيه مشقة وشدة، والعاشق يرمي بنفسه في أشد المهالك وهو لا يعلم، بل ربما كانت تحصل له لذة بسبب ذلك. وكانت غايتي أن أقول إن هذا القلب قد ألف تعسف شدائد الأمور حتى كأنما صار لها عاشقا. والله أعلم.
doPoem(0)
أيها السائرون ماذا عليكم **** أن تناموا أو تتركوا النواما
يمسك هذا البيت بتلابيب البساطة الممتنعة، فيطرب القارئ غناء لفظيا فقير التصوير.
أحيانا، الحقيقة تغني عن الصورة المجازية، شرط أن تكون موحية ... أقول أحيانا وليس دائما ... ولا يخفى ما في البيت السابق من إيحاء باللامسئولية واللا مبالاة، كأنه يقول: ها أنتم تسعون، فما فائدة سعيكم والنتيجة معروفة سلفا.
نم أسيفا يا قلب أو لا فأيقظ **** من بنات العيون وكفا سجاما
أو لا جاءت ثقيلة في المتن فماذا لو كانت:
أيها القلب نَمْ أسيفاً وأيقظ ْ =من بناتِ العيون وُكْفاً سجاما
doPoem(0)
معك حق أيها الناقد المفضال، هناك ثقل ظاهر، والسبب أني أردت مجابهة هذا القلب بفعل الأمر (نم) ابتداء، كما أردت المقابلة بين النوم واليقظة، لا على الطريقة التقليدية (نم وأيقظ)، بل بطريقة أكثر حيوية وحركية:
(نم ... لا تنم ... أيقظ). ولا أدري كيف أغير البيت حتى أتفادى الثقل وأحقق ما أردته من معاني؟
وكأن السمار ما أرسلوا الشوق رسولا يستروح الأنساما
حين ألقت شمس الأصيل رداء **** من نضار وغطت الأكماما
وتهادت ولائد الشوق تترى **** في الحنايا وتستفز الغراما
وتعاطينها لذائذ نشوى **** من كؤوس السرور ملأى جماما
ما أجمل لغة الشاعر المتنقلة اقتطاف سبك واختلاس سرد، لولا غياب التجربة بل غياب المراد.
أحسب أن التجربة موجودة، ولكنها مستترة بستر الرمز، الرمز إلى أيام السرور، حين كان السمار ينتظرون بلهفة مجيء الليل حتى يحلو لهم السمر في تلك الليالي المبهجة، التي لم ينغص صفوها إلا سرعة انقضائها وتصرمها، ولذلك قال بعدها:
يا زمان السرور أين الأماني منك بل أين منك ليل الندامى
وهو بيت القصيد
شاعرنا السفير
قصيدتك تسحر القارئ ولكنها كلما تزايدت قراءة تناقصت سحرا.
أجل، يبدو أن القيمة الرمزية فيها لم تكن مكثفة بالشكل الذي ينبغي، كما أن القيمة التصويرية كما أرشدني الإخوان من قبل لم تكن عالية. لعل القادم يكون أفضل بإذن الله
قصيدتك أيها السفير قدمت أوراق شاعرها ولم تقدم أوراقها فاعْتُمدت أوراق الشاعر اقتدارا، وافتُقدت بعض أوراق القصيدة انتثارا. [/ quote]
لا بأس من أن يقدم الشاعر أوراقه الآن حتى يقبل في جامعة الإبداع، وبعد ذلك لكل حادث حديث:)
أستاذي (الجهالين)، لقد زادني مرورك شرفا وغبطة، مرور ولا كأي مرور! سلمت وسلمت يمينك. بارك الله فيك وكثر من أمثالك.
دمت بود،،،
السفير،،،
¥