[قصة الأختان وقطر الندى]
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[14 - 02 - 2007, 09:29 م]ـ
تجادلت أختان في الحب وأنواعه
فقالت الصغرى:
التوق أقوى من الشوق.
و أخذت تشرح فضائل ومحاسن التوق.
فقالت الكبرى:
لكن الجنون فوق كل من ذكرتي ومن لم تذكري ,
وما التوق إلى جرما صغيراً لايرى في سماء الجنون.
حردت الصغرى من الكبرى ,
و أرادت أن تثبت لها أن من تجن به ,لا يمكن بل محال
أن يستحق هذا الحب الجنون ,
لأنها تعلم بحبها من أخواتها الأخريات.
فسألتها:
هل تحبين أحداً؟
فقالت:
نعم.
هنا دار فضولها وتجدد تصميمها,
فتحركت لأختها الكبرى بحركات القطة وسياستها.
و الكبرى مسكينة لا تدري ما تضمر أختها ,
فهي تحمل للصغرى حباً يهد الجبال هداً ,
لو علمت الصغرى به لكان حالها حال ,
و لخجلت من نفسها حينما تسفهها أو تحسدها ,
فضلاً أن تحقد عليها ,أو تحاول أن تستولي على خصوصياتها,
فسئلتها بحنان:
ومن حبيبك هذا.
فردت عليها بجنون يعتريها عندما تذكر حبيبها:
أولا تعلمين , أنه قطر الندى.
قالت الصغرى:
وهل يستحق منك هذا الجنون ,
لقد هجرك وتركك طوال هذه السنون ,
تجدينه الآن لا يعرف حتى رسمك وما بقلبه لكي ذرة من شجون ,
وكل ما فيه أن ظروفه أجبرته على أن يغلق بابه والسكون ,
تبسمت الكبرى وقالت:
ماذا تريدين يا حبيبتي؟
قالت الصغرى:
أريد الأذن منك ,كي أطرق بابه متخفية ,
لكي أصل إلى اليقين ,و أكشف زيف هذا المدعي اللعين ,
الذي غير حال أختي بحبه إلى حد الجنون.
ضحكت الكبرى ضحكة الأم الحانية ثم صمتت برهةً
ثم قالت:
تتحدين!
قالت الصغرى بعفوية:
نعم , و أنا من تعلمين.
قالت الكبرى:
لا بأس , و أنا أعلم علم اليقين ,أنك ستفشلين .. ,
و قبلت هذا التحدي لأنك لن تعودي خالية اليدين ,
بل ستكسبك من هذه التجربة اليقين.
فرحت الصغرى فشمرت عن ساعديها , وتنكرت خافيه أمرها ,
وسافرت إلى بلاد من تظن أنه ملعون الوالدين.
دخلت بلاد قطر الندى وفتحت متجراً لها بالقرب من متجره ,
تبيع و تشتري في القماش و تفصله , لمن يريد وكل على مذهبه وطريقته.
وكان متجر قطر الندى مغلقاً لا بيع فيه ولا شراء ,
اختارت المكان المناسب , لكي تراقب ,وتنصب المناصب ,
وفرقت الفخاخ في كل جانب , ولا يشك أحداً أو يعاتب ,
كأنها دليلة زمانها في حفر القبور و معرفة المستور,
وفي كل يوم و فرصة تتقصى أخباره والقصة , فلم تجد عيباً واحداً ,
كان يحكى عنه في بلادها , بالخبر والقصة مع الغصة ,
و مرت الأيام والشهور , وهي على هذا الأمر المشهور.
وفي يوم انتظرته طويلاً ,و خسرت لأجله مالاً وفيراً ووقتاً كثيراً ,
فتح قطر الندى بابه فوجدت الناس من علية القوم
على باب متجره يتلصصون ومنه يحذرون ,
و في حبه بقلوب صادقة يلهجون , فاستغربت من ذلك الأمر.
وقالت في نفسها:
كيف يكون الخوف والحب يجتمعان معاً لهذا الملعون.
فمسكت نفسه و ربطت جأشها وتقدمت إلى متجره من دون وجل ,
وعلى حتفه قربت الأمل , بعذر أنها جارته وبابها عند بابه وصل.
دخلت الدكان , وتفحصت المكان ,فرأت ما بالإمكان ,
رأت المكان يشع بالنور من دون نار أو كهرباء,
وإذا حروف أختها ,في كل مكان يستشهد بها , من دون أن يقال أنها لها ,
ونظرت إليه وهو يدير المكان ,
فعجبت منه فهو لا يتعامل مع الناس على أنه تاجر,
بل أباً كبيراً لكل قادم و طالب و وافد ,
فقربت منه وسلمت عليه ,
وهو غير ناظر لها, لأنه مشغول مع غيرها ,
فتلفت ليرد لها السلام , فما أن وقعت عيناها في عينيه ,
حتى أحست بما لم تحس به مع أحد غريب قط ,
وهي من كانت تشتمه في نفسها صباح مساء , في كل يوم من أيامها ,
ففي لحظة أنقلب كل هذا الكره إلى حب, وتتمنى في نفسها منه القرب ,
وتتحسر على نفسها لهذا الحب, وتحسد أختها على هذا الخطب.
فرد عليها السلام و ناداها باسمها.
فعجبت من ذلك وهي تعلم علم اليقين أن لا أحدٌ
من هذه البلد أومن غيرها , وحتى في بلادها يعرف أسمها.
ولقد أنقطع الوصل بينه وبين أختها وهي في مهدها, هذا فعلاً أثار أستغرابها ,
لاحظ قطر الندى دهشتها , فهدئ من روعها, وأشار إليها,
أن تجلس على الأريكة , التي بجانب مكتبه , فجلست و الحيرة في عينيها ,
وأخذ قطر الندى يكلمها, بكل لطف وأدب ولباقة وصراحة ,
وبقيا في تحاورهما الراقي معا فترة , إلى أن أحست به أباً وحبيباً وتمنته لنفسها.
وفي نهاية الحديث و الجلسة قال لها:
عندي رسالة لأختك الكبرى فهل توصلين لها, فأنتي تعلمين أن أنني منذ سنين لا أستطيع أن أرسل رسالة لها, فضلاً عن أن أكلمها.
فأجابت بالإشارة ,وأخذت الرسالة, وهي صامته ,
وتركت المتجر ورحلت ,ولأختها وصلت ,وبعد أن رحبت بها وسلمت , وبقربها جلست ,مدت يدها بالرسالة و لأختها تكلمت ,
والرجفة بادية عليها وظهرت.
فقالت:
أختي هذه الرسالة من قطر الندى.
فنظرت إليها الكبرى وهي تعلم مابها لأنها في حبها لها كأمها.
فقالت لها:
أقرئيها لتعرفي مابها فحبي له ليس سراً ,
وحبنا طاهر على طول المدى ,
و نقي أنقى من النقا, فحبه لا يخشى منه العيب أو الخنا.
فتشجعت الصغرى وفتحت الرسالة ,فإذا هي
حب وإخلاص و وفاء وعطاء ورضى لأختها الكبرى
و إذا في أخرها ختمت بهذه الحروف:
{القلب للمجنونة فقط و إلى الأبد}
حينها تجمد كل كيانها, من أخمص رجليها حتى مآقيها,
لا تعرف الزمن كم أستغرق لحالتها هذه, ولكنها تعرف أن أو شيء تحرك فيها كان لسانها فإذا بها تقول:
حقاً أن الجنون في المرتبة العليا من الحب
و ما التوق إلا جرماً صغيراً في سمائه.
في تلك اللحظة مالت أختها الكبرى و ضمتها في حنان ,
وعلمت أن أختها الصغرى نجحت في الامتحان ,
حين علمت يقيناً أن الإنسان أعجب مخلوق في كل الأكوان.
¥