من دفتر يومياتي 2 - السحّارة
ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[30 - 01 - 2007, 06:10 م]ـ
السحّارة
فوق رف جانبي في إحدى الغرف كان يقبع ذلك الصندوق الخشبي المزخرف والذي استطاع صانعه باستخدام النتوء والبروز أن يبتدع منه لوحة تخلب اللب , وذلك القفل الأصفر الساكن بلا حراك عليه منذ زمن يثير فضولي وسؤلي عن الشيء الثمين الذي حكم عليه أبي بالمؤبد داخل ذلك الصندوق أو (السحّارة) كما نسميه.
لم أكن أجرؤ على لمسه , حتى في غياب أبي فمجرد محاولتي الارتقاء على قطعة أثاث للصعود إلى الرف كان كافيا لتنهرني أمي قائلة: انتبه لا توقع الصندوق.
كم كنت أفتح عينا لأسترق النظر عندما يوقظني سحيج ذلك الصندوق عندما يسحبه أبي لأرى ما الذي سيخرجه أبي منه
أحيانا أراه يخرج دفترا وأحيانا كتابا وأحيانا شيئا ملفوفا في قماش أبيض وأحيانا أشياء صغيرة يمسكها فتخفيها قبضته
ثم يقفله بإحكام فأعزم على نفسي بعدم النوم حتى يعود ليرد ما أخذه فأراه
فلا أستفيق إلا على صوته وهو يصلي الفجر فأعرف أن الفرصة قد فاتت.
مات والدي وأنا في السادسة , وما زال كل شيء في مكانه الصندوق , وعن يمينه تلك العلبة الخزفية الصغيرة التي كان يضع فيها أبي أزرار قميصه الفضية , وعلبة أخرى خشبية فيها عيدان خلال , وعن يساره ذلك الشال الذي كان يلفه على رأسه عندما يلبس الإزار والقميص الأبيض وذلك المشط الذي يسرح به شعره حال لبسه للثوب , وبعض قناني العطر.
ألححت على أمي بفتح الصندوق فأبت , واستعطفتها فرفضت ثم اكتفيت بأن تخبرني بما فيه فقالت – ولم انتبه لابتسامتها الساخرة -: فيه كنز أبيك وعندما تكبر سأريكه
عند بلوغي العاشرة كسرت قفل الصندوق بعد اختلاسي وقتا لم تكن فيه أمي موجودة , فكان كنز أبي مكونا من المصحف الشريف بأحجام وطبعات مختلفة , وخمسة أجزاء من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني , وكتاب يتيمة الدهر للثعالبي , وسيرة ابن هشام , وأيام العرب , وشرح المعلقات للأعلم الشنتمري , وأجزاء ممزقة من كتب , وصور له وأصدقائه , وكتاب عن حياة ((محمد جمعة خان)) وهو مغن حضرمي قديم , وأشرطة واسطوانات (بيكم) لنفس المغني
وخنجر يماني محفور عليه اسم والدي , ومسدس ملفوف في قماش أبيض , ومذياع بني اللون , ومصباح يدوي , ودفتر متهرئ فيه خواطر وأشعار كان يكتبها رحمه الله.
فتحت ذاك الدفتر فكان في أولى صفحاته قد كتب أبيات امرئ القيس في الليل:
وليل كموج البحر أرخى سدوله = علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه = وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي = بصبح وما الإصباح منك بأمثل
والمضحك في الأمر أنني وجدته يقول في إحدى خواطره: ((سيظن أولادي أنني أحتفظ بمال في سحّارتي , من شدة حرصي على ما فيها))
والحقيقة أنه قد أورثني كنزا وهو حب القراءة
وعندما جاءت أمي وأنا أفتش في أغراضه تناولت منها إزارا حضرميا واشتمته فبكت , وظننت يومها أنها تبكي لأنني اكتشفت سر السحارة ....
1/شوال / 1427 هـ
أبو عريش
ـ[أريد اتعلم]ــــــــ[31 - 01 - 2007, 01:02 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
أخي الكريم هل كلمة (السحّارة) هي بفصحي
جزاك الله خير
أختكم أريد اتعلم
ـ[نعيم الحداوي]ــــــــ[31 - 01 - 2007, 01:37 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جذبتنا معك يا أبا خالد حتى أنني كنت أريد أن أقرأ الموضوع من آخره لأعلم مافي السحارة
أو " السحاريه " كما نسميها نحن
والحقيقة لا أملك إلا أن أقول رحم الله والدك واسكنه فسيح جناته وجمعك به ومن تحب
وجمعنا بكم في دار كرامته ومستقر رحمته انه ولي ذلك والقادرعليه
اما ماترك ابوك / أبيك فهو والله الوصية ونعم الوصية
العلم والحرص عليه
اسأل الله أن يعلمنا وإياكم ماينفعنا وينفعنا بما علمنا
تحياتي لك يا أبا خالد
وفقك الله وسدد خطاك
ـ[التواقه،،]ــــــــ[31 - 01 - 2007, 03:56 ص]ـ
أخي أبا خالد
حقاً كما قال نعيم جذبتنا معك في هذه الحكاية
ومن بدايتها واضح أنها تكشف عن سر ثمين
حتى اتضح هذا السر الذي هو القراءة والفائدة والحرص عليها
وأظن والدك_رحمة الله عليه_لم يفعل ذلك إلا لأمر في نفسه
أي أنه كان يريد أن يلفت انتباهكم لما يحوي هذا الصندوق فاهتمامه به
يدل على أنه يحوي أغراض مهمه ونادرة
فعل ذلك حتى يحرك فيكم الفضول وبالفعل توصل لذلك
والدليل أنه قال (سيظن أولادي أني أحتفظ بمال في سحارتي، لشدة حرصي عليها)
وبعد ذلك ها أنتم عرفتموه فأحرصوا عليه كحرصه رحمه الله
ومن الجميل لو تكون هذه حكاية لأبنائكم وأحفادكم
حتى يعلموا على ماذا كان حرص الجد ويسلكوا مسلكه
رحم الله والدك وأسكنه في الفردوس الأعلى من الجنة
هو وكل ذريته وصحبه
جزاك الله خيراً أخي
ودمت في حفظ الله
ـ[محمد الجبلي]ــــــــ[31 - 01 - 2007, 10:16 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
أخي الكريم هل كلمة (السحّارة) هي بفصحي
جزاك الله خير
أختكم أريد اتعلم
لأنني لا أدري وضعتها بين قوسين
وبما أن نعيم الحداوي يسميها (السحارية) فربما لها أصل في اللغة
¥