[غربة الجسد والروح]
ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[24 - 01 - 2007, 11:17 ص]ـ
:::
إخواني وأخواتي مرتادي هذا المنتدى المبارك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد:
فهذه محاولة شعرية، وجدتها - مصادفة - بين أكوام مكومة من أوراقي القديمة جدا؛ فلما أن وقعت عليها تبسمت ابتسامة الذكرى، وقلت في نفسي: آه، ما أجمل تلك الأيام، أيام كانت فينا روح وثابة طامحة تحس وتشعر وتتفاعل، وتسعى - كما كانت تظن - إلى المجد التليد، والشرف العالي، فلما أن تكشفت الأيام على حقيقتها، وظهر عوارها؛ عدنا معاً نحمل غربة الجسد والروح. وإذا كان المعري كان يسمي نفسه: " رهين المحبسين "، فما رأيكم بمن يسمي نفسه: "رهين الغربتين".
آسفٌ أحبتي الكرام؛ فلقد طارت بي الذكري إلى زمن بعيد، فأخذتني معها، وما أظن أبياتي هذه إلا قد ركبت (آلة الزمن)، وإلا فما الذي أتى بها الآن، إلا أن تكون سئمت من الغربة، فأرادت أن ترى النور، ولو على حساب منتداكم هذا ... فرجائي عندكم أن تكرموا وفادتها وتحسنوا مثواها، وإن لم يكن لها من فضل إلا فضل قِدَمها، فإني أعلم علم اليقين أنها ليست في مستوى ما يجب أن يكون عليه الشعر، وإن تمسحت بشيء منه. وهاكم القصيدة:
يا دمعة العين من أجراكِ بالكمَدِ = ويا جفونيَ من أغراكِ بالسهَدِ
ويا أخا الليلِ ما للّيل مُتَّئِداً = وكان من قبلِ هذا غيرَ متئدِ
يا ساريَ البرقِ هلْ ذكرى فتبعثُها = من ومضة الشوق لا من ومضة الرَّعَد
هذا حبيبكَ مَطْويٌّ على حُرَقٍ = فكيف أصبحتَ بعديْ يا جَوَى كَبِدي
حَمَّلْتَ قلبيَ حِمْلاً لا يطيقُ به = صبراً، ولو كان موقوفاً على الجَلَد
حسبيْ من الشوقِ أني قد بلغتُ به = حدّاً من الحدّ لمْ ينقصْ ولم يزِدِ
أكفكفُ الدمع من وَقْدِ النوى بَيَد = وأحملُ القلبَ من جَهْدِ النوى بِيَدِ
وكنت أشكوكَ نار الوجد من كَثَبٍ = فصرتُ أشكوكَ نارَ الوجد من بُعُدِ
فلا تلمني بقلبٍ لست أملكه = وكيف أملكه، لو كان ذا بيدي!
إني وإن بِنْتُ عن أهلي وعن بلدي = لَموقِنٌ بالتقاءِ الروحِ والجَسَد
وإنْ يكنْ سُرَّ حساديْ بما فعلوا = فإنما يُغْبَنُ الحسَّادُ بالحسد
كَمْ مُظْهِرِ الفضلِ يبغيْ نقصَ صاحبه = لو كان يدريْ لَمَا أوْرَاهُ بالزَّنَدِ
وغايةُ الحاسدِ النارُ التي اتَّقَدَتْ = في قلبه، ولهيبُ النار في الكَبِد
واللهِ ما ساءنيْ ما قال قائلهم = زوراً، ولا هدّني، أو فَتَّ في عضُدي
ماضٍ على سُنَّتي، ماضٍ على سَنَني = مسترشدٌ بمضاء العزم والرّشَد
أخطو إلى المجد لا فَظّاً ولا صَلِفاً = ولا أقيمُ كعَيْرِ الحَيِّ والوَتِدِ
ولي فرائدُ أشعارٍ تدبّجُها = لُحُونُ شوقٍ وقلبٌ بالحنينِ شَدِي
هُمُ يقولون: قال الشعرَ مُرْتَفِداً = وأيُّ شعرٍ لِقَلْبٍ غيرِ مرْتَفِدِ
ما الرِّفْدُ عنديَ إلا أنْ أنال به = صِدْقَ الوِدادِ وصَفْواً غيرَ مُرْتَدِدِ
والشعرُ يُحْيِيْ قلوبَ الواجِدِين كما = يحيا بشربةِ ماءِ السّلسبيلِ صَدِي
وما عليهمْ إذا ما هِمْتُ مِنْ طَرَبٍ = برائقٍ لم يُدَنَّسْ مِنْ دَدٍ ودَدِ
لعَمْركَ الله إنَّ القومَ ما فَقِهُوا = حقيقةَ الشعر، بلْ لَجُّوا على الحَرَدِ
كم صاحبٍ لم تكن يوماً صحابتُهُ = إلا على جُرُفٍ هارٍ من الفَنَدِ
" تغيّر الناسُ عمّا كنتُ أعهدهم" = فجُلُّهمْ وَغِدٌ قد هام في وغِدِ
"إني لأفتحُ عيني حين أفتحها = على كثير " ولا أشْتامُ مِنْ أحدِ
لمْ يبقَ في الناسِ من تُرجَى مودّتُهُ = إلا أخا زُلْفَةٍ، أو رَبَّ مُعْتَقَدِ
فلا تَرِدْ غيرَ صَفْوِ الماء مِن خُلَلٍ = وإنْ يَكُنْ غيرُ صَفْوِ الماءِ لا تَرِدِ
إنّ الصديقَ الذيْ يرعاكَ صادِقُهُ = ليسَ الصديقُ الذيْ يرعاكَ في جَهَدِ
ومن تكلَّفَ صِدْقَ الوُدِّ نَمَّ به = وَحْيُ الضميرِ، وسِرٌ غيرُ مُرْتَصَدِ
مَنْ ليْ بِخِلٍّ أصافيه الودادَ ولو = أني بذلتُ طريفَ المال والتَلَدِ
بلوتُ دهريْ فلمذا أنْ عَيِيْتُ به = علمتُ أني ككلِّ الناس في كَبَدِ
واهاً لمن يعشق الدنيا ويطلبها = ووصلُها بعضُهُ ضَرْبٌ من النكدِ
واهاً لمن غَرَّهُ من زَهْوِ وردتِها = ما دونَهُ المُرُّ مشن شوكٍ ومن قَتَدِ
تمضي الأمانيْ بنا حتى تغربِلُنا = يَدُ المَنونِ وتُدْنينا إلى اللُّحُدِ
يا جامعاً عَتَدَ الدنيا وعُدَّتَها = ماذا سيغنيكَ عند الموتِ من عُدَدِ
إلا عتادَكَ من خيرٍ ومن عَمَلٍ = إلا متاعكَ من تقوى ومن زُهُدِ
انتهت الأبيات، والحمد لله اولا وآخرا.
ـ[المبدع]ــــــــ[24 - 01 - 2007, 02:38 م]ـ
مرحبا ً بك وبقصيدتك التي نفضت َ عنها غبار الزمن ... !!
لتصل الى أيدينا معززة ً مكرمه.
كان موقفي منها موقف َ القارئ المتذوق ِ فحسب.
وسيأتي من ورائي من يشبعها نقدا ً.
تمنياتي لك بالتوفيق
ـ[كشكول]ــــــــ[24 - 01 - 2007, 03:34 م]ـ
السلام عليكم
لا فض فوك. قصيدة رائعة. والأبيات حزينة ومبكية. وأظنك, والله العالم, أخذت بعض المعاني من أبيات للشافعي (اذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا ... )
من ومضة الشوق لا من ومضة الرَّعَد
هل للرعد وميض؟
بوركت على هذه القصيدة يا أحمد.
والسلام
¥