ـ[ذو القرنين]ــــــــ[15 - 04 - 2005, 11:07 ص]ـ
أخي الكريم أبا هشام
سدد الله خطاك حين قرأت مقدمة مقالك وعلمت أنه حول سؤالي العنيد أخذت بأوصالي رعشة لذيذة أعرفها من نفسي حين أصل إلى إجابة شافية لسؤال معيي وهذه اللذة التي تأخذ بالجسد تذكرني بقول الزمخشري طيب الله ثراه:
وتمايلي طربا لحل عويصة أشهى لنفسي من مدامة ساقي
ورغم نفاسة ما أشرت إليه من تقسيمات العصور الأدبية إلا أنه ليس موطن الإشكال فالدراسة التاريخية للأدب أو التقسيم التاريخي له أمر لا مفر منه للدراسة المنهجية ولذا تتابع عليه المؤرخون منذ مطلع العصر الحديث أشار الدكتور الهويمل إلى بعضها وأشرت أنت إلى البعض الآخر واستقصى الدكتور شكري فيصل نور الله ضريحه هذه التقسيمات في كتابه النفيس مناهج الدراسة الأدبية رغم أنه ألفه في فترة مبكرة جدا إذ قدمه رسالة ماجستير عام 1947أي قبل أن يشرع شوقي ضيف في تأليف موسوعته وأشار الى طرائقهم في دراسة العصر العباسي.
ورغم اختلافي معك في مسالة تقليد شوقي ضيف للمستشرقين في سلوك منهج التقسيم التارخي إلا أنه ليس موطن السؤال والسؤال بدقه هو:على أي أساس قسم هذا الرائد العصر العباسي؟ ولم جعل أكثر من نصف هذا العصر تابعا للدول والإمارات؟ فلن تجد في العصر العباسي عنده بجزأيه حديثا عن المتنبي أو الشريف الرضي أو المعري وغيرهم وستجدهم جميعا في عصور الدول والإمارات وأنا لا اطرح السؤال لأحصل على إجابة ارتجالية تكل الأمر إلى التمزقات السياسية التي أصابت جسد الأمة فالأمة تمزقت منذ استقلال الداخل بالأندلس مع مطلع العصر العباسي كما ان السؤال يبحث عن سبب وجيه منصب على الأدب نفسه فهل كانت خصائص البيئات من التباين الذي يدعو إلى دراسة كل منها على حدة في زمن لم يكن يعترف بهذه التمزيق؟
أظن السؤال واضحا أما من حيث التقليد فلا تقليد في البدهيات والعصور الأدبية اهتم بها نقادنا منذ أيام ابن سلام حين فرق بين الجاهليين والإسلاميين وإن كان عنى بالإسلاميين الأمويين فلا يمكن أن يتهم شوقي ضيف ويشنع عليه في أمر بدهي يفعله كل مؤرخ للأدب ولم أجد من النقاد من عد تقسيمات المستشرقين ابتكارا يحسب لهم لأن هذا لايصدقه عقل ولا واقع
أما ما أشار إليه بلا شير من مركزية المعرفة واعتراضه على المنهج التاريخي فهو نفسه قد وقع فيه والاعتراض قديم لم يأت فيه بجديد بل عارض كثير من النقاد الغربيين هذا المنهج منذ مطلع العصر الحديث بين القرنين السابع عشر والثامن عشر وأخذوا عليه عددا من الملاحظات ولكنهم مع ذلك لم يستطيعوا الاستغناء عنه في الدراسة المنهجية كما سبق وانظر في هذا النقد الأدبي لسيد قطب
أما قولك (والجانب الابتكاري في كتب شوقي ضيف غائب أو شبه غائب. رحمه الله وجزاه خيراً، وهذا أثرٌ من آثار الإكثار من التأليف والكتابة، فمؤلفاته كثيرة جداً، ولذلك اختفى منها أو كادَ جانبُ التحليلِ المعتمدِ على الابتكار) فهو ظلم فادح لا أجد له مبررا ولم أسمع أعداء شوقي ضيف يقولون هذا وأنا أدعوك إلى الاطلاع على كتابيه الرائدين الفن ومذاهبه في الشعر العربي والفن ومذاهبه في النثر العربي فإن كان مافيهما ليس ابتكارا فأنا لا أعرف الابتكار واقرأ أيضا كتابه الجميل في التراث والشعر واللغة لتعرف كيف يناقش وكيف يحلل
اما مقارنته بمحمود شاكر فهي ظلم آخر، واعلم أخي الكريم أن المقارنة بين العلماء أمر غير حميد خاصة حين تختلف التخصصات وإن عظمة محمود شاكر لاتدفعنا أبدا إلى غمط العلماء الاخربن حقوقهم وإلا فما رأيك بمن يقول إن بن باز وابن عثيمين وغيرهما ليسوا إلا جامعين والدليل أن أيا منهم لا يماثل شيخ الإسلام ابن تيمية وقل مثل هذا في كل فن ولاتعتذر باختلاف العصر فإن ابداع محمود شاكر متميز في هذا العصر وكل عصر والعقل العظيم لايحده الزمن وأقول إن التاريخ والرصد الأدبي لايساعد كثيرا على الابتكار والتجديد ولو حاول محمود شاكر أن يؤرخ للأدب لما وجد مجالا واسعا لعقله الكبير لأن مسألة الرصد والمتابعة والتحليل لها دوره الأهم في المسالة
أما اختفاء الجانب التحليلي فهو قول غير صحيح وخذ ما شئت من المسائل على امتداد عصوره الأدبية وسترى أنه يحللها ويقف عنده وقوف الأخذ برأيه لا المقلد لغيره وقد أشار حسن الهويمل وقبله طه وادي وعبد العزيز الدسوقي إلى هذه القضية ألم تنتبه لقول الهويمل في المقال السابق (وهو في تاريخه لا يعمد إلى الرصد والوصف، ولكنه يحلل ويقوم، ويستخلص النتائج، ومن ثم فإنه يسد كل الخلال، ولا يسد غيره مسده.)
وأنا بعد هذا كله أشكرك بصدق لما اتحت لي من فرصة لمناقشة مسألة علمية هي في ظني مهمة وأرجو ألا تأخذنا الخلافات الجانبية عن السؤال الأصلي وهو تبرير شوقي ضيف لطريقته في تقسيم العصر العباسي
وإذا كان لي من طلب أخير عندكم أيها المشرفون شرف الله أقداركم فهو أن أينقل الموضوع إلى صفحة مستقلة ليشارك فيه الإخوة الكرام بآرائهم ولا يبقى مدفونا في هذه الزاوية التي لم يدخلها إلا ستين شخصا لا أظن أكثرهم امتلك من الصبر مايدعوه الى قراءة المقلات كلها
وداعا أحبائي
¥