تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقلت: يا أمير المؤمنين صاحبٌ لنا في بدو بني فلان كنت أغشاه وأتحدث إليه وقد أتت عليه ست وتسعون سنة، أصح الناس ذهنا وأجودهم أكلا واقواهم بدنا فغبرت عنه زمانا ثم قصدته فوجدته ناحل البدن، كاسف البال، متغير الحال فقلت له ما شانك أأصابتك مصيبة؟

قال: لا

قلت: أفمرض عراك؟

قال: لا

قلت: فما سبب هذا التغيير الذي أراه بك؟

فقال: قصدت بعض القرابة في حي بني فلان فألفيت عندهم جارية قد لاثت راسها وطلت بالورس ما بين قرنها إلى قدمها وعليها قميص وقناع مصبوغان وفي عنقها طبل توقع عليه وتنشد هذا الشعر:

محاسنها سهام للمنايا ... مريشة بأنواع الخطوب

برى ريب المنون لهن سهما ... تصيب بنصله مهج القلوب

فأجبتها:

قفي شفتي في موضع الطبل ترتقي ... كما قد ابحت الطبل في جيدك الحسن

هبيني عودا أجوفا تحت شنة ... تمتع فيها بين نحرك والذقن

فلما سمعت الشعر مني نزعت الطبل فرمت به في وجهي وبادرت إلى الخباء فدخلت فلم أزل واقفا إلى أن حميت الشمس على مفرق رأسي لا تخرج إلي ولا ترجع إلي جوابا فقلت: أنا معها والله كما قال الشاعر:

فوالله يا سلمى لطال إقامتي ... على غير شيء يا سليمى اراقبه

ثم انصرفتُ سخين العين قريح القلب فهذا الذي ترى بي من التغير من عشقي لها

فضحك الرشيد حتى استلقى وقال: ويحك يا عبد الملك، ابن ست وتسعين سنة يعشق!

قلت: قد كان هذا يا أمير المؤمنين

فقال: يا عباسي

فقال الفضل بن الربيع: لبيك يا أمير المؤمنين!

فقال: أعط عبد الملك مائة ألف درهم ورده إلى مدينة السلام

فانصرفت فإذا خادم يحمل شيئا ومعه جارية تحمل شيئا، فقال: أنا رسول بنتك (يعني الجارية التي وصفتُها) وهذه جاريتها وهي تقرأ عليك السلام وتقول: إن أمير المؤمنين أمر لي بمال وثياب هذا نصيبك منها فإذا المال ألف دينار وهي تقول لن نخليك من المواصلة بالبر فلم تزل تتعهدني بالبر الواسع الكثير حتى كانت فتنة محمد فانقطعت أخبارها عني وأمر لي الفضل بن الربيع من ماله بعشرة آلاف درهم."

و كان الأصمعي يكاد يوازي الإمام البخاري رحمة الله عليه في سعة الحفظ، فقد روي عن قوة حفظه ما يلي:

" لما قدم الحسن ابن سهل العراق، قال: أحب أن أجمع قوما من أهل الأدب فيحضرون بحضرتى فى ذاك، فحضر أبو عبيدة معمر بن المثنى، و الأصمعى، و نصر بن على الجهضمى، و حضرت معهم (راوي الخبر أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي) فابتدأ الحسن فنظر فى رقاع كانت بين يديه للناس فى حاجاتهم و وقع عليها،

و كانت خمسين رقعة، ثم أمر فدفعت إلى الخازن، ثم أقبل علينا.

فقال: قد فعلنا خيرا، و نظرنا فى بعض ما نرجو نفعه من أمور الناس و الرعية فنأخذ الآن فيما يحتاج إليه.

فأفضنا فى ذكر الحفاظ، فذكرنا الزهرى و قتادة و مررنا، فالتفت أبو عبيدة، فقال: ما الغرض أيها الأمير فى ذكر ما مضى، و إنما نعتمد فى قولنا على حكاية عن قوم و نترك ما نحضره ها هنا من يقول إنه ما قرأ كتابا قط فاحتاج إلى أن يعود فيه و لا دخل قلبه شىء فخرج عنه!

فالتفت الأصمعى فقال: إنما يريدنى بهذا القول أيها الأمير، و الأمر فى ذلك على ما حكى و أنا أقرب عليه ; قد نظر الأمير فيما نظر فيه من الرقاع و أنا أعيد ما فيها و ما وقَّع به الأمير على رقعة رقعة، على توالي الرقاع.

قال: فأمر فأحضر الخازن و أحضرت الرقاع، و إذا الخازن قد شكها على توالي، نظر الحسن فيها، فقال الأصمعى: سأل صاحب الرقعة الأولى كذا و اسمه كذا، فوقع له بكذا، و الرقعة الثانية، و الثالثة، حتى مر فى نيف و أربعين رقعة، فالتفت إليه نصر بن على، فقال:

يا أيها الرجل ابق على نفسك من العين. فكف الأصمعي"

وقيل أن الأصمعي كان سمجاً قبيح المنظر، لهذه الرواية المضحكة:

قال الأصمعي: دخلت على جعفر بن يحيى بن خالد يوما فقال لي: يا اصمعي، هل لك من زوجة؟ قلت: لا، قال: فجارية؟ قلت: جارية للمهنة. قال: فهل لك أن اهب لك جارية نظيفة؟ قلت: اني لمحتاج إلى ذلك. فأمر بإخراج جارية إلى مجلسه فخرجت جارية في غاية الحسن والجمال والهيئة والظرف والمقال

فقال لها: قد وهبتك لهذا.

وقال: يا اصمعي خذها، فشكرته وبكت الجارية وقالت: يا سيدي، تدفعني إلى هذا الشيخ مع ما أرى من سماجته وقبيح منظره! وجزعت جزعا شديدا

فقال: يا اصمعي، هل لك أن اعوضك منها ألف دينار؟

قلت: ما أكره ذلك. فأمر لي بألف دينار ودخلت الجارية

فقال لي: يا اصمعي، إني أنكرت من هذه الجارية أمرا فأردت عقوبتها بك ثم رحمتها منك

قلت: أيها الأمير، فهلا أعلمتني قبل ذلك؟ فإني لم آتك حتى سرَّحت لحيتي وأصلحت عمتي، ولو عرفت الخبر لصرت على هيئة خلقتي، فوالله لو رأتني كذلك لما عاودت شيئا تنكره منها ابدا ما بقيت! "

و قيل كان بخيلا:

"قال أبو بكر بن دريد: أخبرنا أبو عثمان الأشناندانى قال: كان أبو عبيدة يقول: كان الأصمعى بخيلا فكان يجمع أحاديث البخلاء و يتحدث بها و يوصى بها ولده.

و قال أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحى، عن محمد بن سلام الجمحى: كنا مع

أبى عبيدة فى جنازة ننتظر إخراج الميت و نحن بقرب دار الأصمعى، فارتفعت ضجة

من دار الأصمعى فبادر الناس ليعرفوا ذلك، فقال أبو عبيدة: إنما يفعلون هذا

عند الخبز، كذا يفعلون إذا فقدوا رغيفا! "

و هو من الثقات في الحديث، روى له مسلم و ابو داود و الترمذي.

و توفي رحمة الله عليه سنة 215 أو 216 أو 217 هـ

و أخيرا إليكم قصيدته المشهورة "صوت صفير البلبل" بصوت الشيخ أحمد القطّان:

http://www.r4ever.com/fun/poem/bolbol.ra

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير