وَلِلأَرضِ كَم مِن صالِحٍ قَد تَلمَّأَت==عَليهِ فَوارَتهُ بِلَمَّاعَةٍ قَفرِ
فَلا ذا جَلالٍ هِبنَهُ لِجَلالِهِ==وَلا ذا ضَياعٍ هُنَّ يُترَكنَ لِلفَقرِ
فَلَمَّا رأَيتُ أَنَّما هيَ ضَربَةٌ==مِنَ السَيفِ أَو إِغضاءُ عَينٍ عَلى وِترِ
عَمَدتُ لِأَمرٍ لا يُعيرُ والدي==خَزايَتَهُ وَلا يُسَبُّ بِهِ قَبري
رُمينا فَرامَينا فَصادَفَ سَهمُنا==مَنيَّةَ نَفسٍ في كِتابٍ وَفي قَدَرِ
وأَنتَ أَميرُ المؤمِنينَ فَما لَنا==وَراءَكَ مِن مَعديً وَلا عَنكَ مِن قَصرِ
فإِن تَكُ في أَموالِنا لا نَضِق بِها==ذِراعاً وإِن صَبرٌ فَنَصبِرُ لِلصَّبرِ
وإِن يَكُ قَتلٌ لا أَبالَكَ نَصطَبِرعَلى ==القَتلِ إِنّا في الحُروبِ أُلو صَبرِ
وَكَم نَكبَةٍ لَو أنَّ أَدنى مُرورِها==عَلى الدَهرِ ذَلَّت عِندَها نوَبُ الدَهرِ
القصيدة السادسة: أَتُنكِرُ رَسمَ الدارِ أَم أَنتَ عارِفُ
أَتُنكِرُ رَسمَ الدارِ أَم أَنتَ عارِفُ==أَلا لا بَلِ العِرفانُ فالدَمعُ ذارِفُ
رَشاشاً كَما انهَلَّت شَعيبٌ أَسافَها==عَنيفٌ بِخَرزِ السَيرِ أَو مُتَعانِفُ
بِمُنخَرقِ النَقعَينِ غَيَّرَ رَسمَها==مَرابِعُ مَرَّت بَعدَنا وَمَصايفُ
كَلِفتُ بِها لا حُبَّ مَن كانَ قَبلَها==وَكلُّ مُحِبٍّ لا مَحالَةَ آلِفُ
إِذ الناسُ ناسٌ والبِلادُ بِغِرَّةٍ==وإِذ أُمُّ عَمّارٍ صَديقٌ مُساعِفُ
وإِذ نَحنُ أَمّا مَن مَشى بِمَوَدَّةٍ==فَنَرضى وأَمّا مَن مَشى فنُخالِفُ
إِذا نَزاواتُ الحُبِّ أَحدثنَ بَينَنا==عِتابا تَراضَينا وَعادَ العَواطِفُ
وَكُلُّ حَديثِ النَفسِ ما لَم أُلاقِها==رَجيعٌ وَمِمَّا حَدَّثَتكَ طَرائِفُ
وإِنّي لأُخلي لِلفَتاةِ فِراشَها==وأُكثِرُ هَجرَ البَيتِ والقَلبُ آلِفُ
حِذارَ الرَدى أَو خَشيَةً أَن تَجُرَّني==إِلى موبِقٍ أُرمَى بِهِ أَو أُقاذِفُ
وَإِنّي بِما بَينَ الضُلوعِ مِن امرىءٍ==إِذا ما تَنازَعنا الحَديثَ لعارِفُ
ذَكَرتُ هَواها ذِكرَةً فَكأَنَّما==أَصابَ بِها إِنسانَ عَينيَّ طارِفُ
وَلَم تَرَ عَيني مِثلَ سِربٍ رأَيتُهُ===خَرَجنَ عَلينا مِن زُقاقِ ابنِ واقِفِ
خَرَجنَ بأَعناقِ الظباءِ وأَعيُن ال==جآذِرِ وارتَجَّت بِهنَّ الرَوادِفُ
طَلَعنَ عَلينا بَينَ بِكرٍ غَريرَةٍ==وَبَينَ عوانٍ كالغَمامَةِ ناصِفِ
خَرَجنَ عَلينا لا غُشينَ بِهوبَةٍ==وَلا وَشوشيّاتُ الحِجالِ الزَعانِفُ
تَضَمَّخنَ بِالجاديِّ حَتّى كأَنّما==الأُنوفُ إِذا استَعرَضتَهَنَّ رَواعِفُ
كَشَفنَ شُنوفاً عَن شُنوفٍ وَأَعرَضَت==خُدودٌ وَمالَت بِالفُروعِ السَوالِفُ
يُدافِعنَ أفخاذاً لَهُنَّ كأَنَّها==مِنَ البُدنِ أَفخاذُ الهِجانِ العَلائِفِ
عَلَيهُنَّ مِن صُنعِ المَدينَةِ حِليَةٌ==جُمانٌ كأَعناقِ الدَبا وَرَفارِفُ
إِذا خُرِقَت أَقدامُهنَّ بِمِشية==تَناهَينَ وانباعَت لَهُنَّ النَواصِفُ
يَنُؤنَ بأَكفالٍ ثِقالٍ وَأَسوقٍ==خِذالٍ وَأَعضادٍ كَسَتها المَطارِفُ
وَيَكسِرنَ أَوساطَ الأَحاديثِ بِالمُنىكَما كَسَر البَرديَّ في الماءِ غارِفُ
وأدنَيتِني حَتّى إِذا ما جَعَلتِني==لَدى الخَصرِ أَو أَدنى استَقَلَّك راجِفُ
فإِن شِئتِ واللَهِ انصَرفتُ وإِنَّني==مِن أَن لا تَريني بَعدَ هَذا لَخائِفُ
رأَت ساعِدي غولٍ وَتَحتَ ثيابِهِ==جَناجِنُ يَدمى حَدُّها وَقَراقِفُ
وَقَد شَئِزَت أُمُ الصَبيَّينِ أَن رأَت==أَسيراً بِساقيهِ نُدوبٌ نَواسِفُ
فإِن تُنكِري صَوتَ الحَديدِ وَمِشيَةً==فإِني بِما يأَتي بِهِ اللَهُ عارِفُ
وإِن كُنتِ مِن خَوفٍ رَجَعتِ فإِنَّني==مِنَ اللَهِ والسُلطانِ والإِثمِ راجِفُ
وَقَد زَعَمَت أُمُّ الصَبيينِ أَنَّني==أَقَرَّ فؤادي وازدَهَتني المَخاوِفُ
وَقَد عَلِمَت أُمُّ الصَبيَّين أَنَّني==صَبورٌ عَلى ما جَرَّفتني الجَوارِفُ
وإِنّي لَعَطّافٌ إِذا قيلَ مَن فَتىً==وَلَم يَكُ إِلا صالِحُ القَومِ عاطِفُ
وَأُوشِكُ لَفَّ القَومِ بِالقَومِ لِلَّتي==يَخافُ المُرَجّى والحَرونُ المُخالِفُ
وإِنّي لأُرجي المَرءَ أَعرِفُ غِشَّهُ==وأُعرِضُ عَن أَشياءَ فيها مَقاذِفُ
فَلا تَعجَبي أُمَّ الصَبييَّنِ قَد تُرى==بِنا غِبطَةٌ والدَهرُ فيهِ عَجارِفُ
عَسى آمِناً في حَربِنا أَن تُصيبَهُ==عواقِبُ أَيامٍ وَيأَمَنَ خائِفُ
¥