تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما القسم الثاني فشعر لا يتصل بهذه القصة، وانما يتناول فنونا من القول مستقلة من الأهواء السياسية والحزبية.

ولنا فى هذا القسم رأى نسطره بعد حين.

وخلاصة هذا البحث القصير أن شخصية امرئ القيس - إذا فكرت - أشبه شئ بشخصية الشاعر اليوناني هوميروس.

لا يشك مؤرخو الآداب اليونانية الآن فى أنها قد وجدت حقا، وأثرت فى الشعر القصصي حقا، وكان تأثيرها قويا باقيا؟ ولكنهم لا يعرفون من أمرها شيئا يمكن الاطمئنان إليه، وانما ينظرون إلى هذه الأحاديث التى تروى عنه كما ينظرون إلى القصص والأساطير لا أكثر ولا أقل.

فامرؤ القيس هو الملك الضليل حقا: نريد أنه الملك الذى لا يعرف عنه شيء يمكن الاطمئنان إليه.

هو ضل بن قل كما يقول أصحاب المعاجم اللغوية.

ومن غريب الأمر أن طائفة من الشعر تنسب إلى امرئ القيس على انه قالها حينما كان متنقلا فى القبائل العربية يمدح بها هذه ويهجو تلك، وتتصل بهذه الأشعار طائفة من الأخبار تبين نزول امرئ القيس فى هذه القبيلة، والتجاءه إلى تلك القبيلة، وجواره عند فلان، واستعانته بفلان، وأن شيئا مكل هذا يلاحظ فى حياة هوميروس؟

فهو- فيما يزعم رواة اليونان - قد تنقل فى المدن اليونانية فلقي من بعضها الكرامة والتجلة، رمن بعضها الإعراض والانصراف.

ومؤرخو ا لآداب اليونانية يفسرون هذه الأحاديث على أنها مظهر من مظاهر التنافس بين المدن اليونانية: كلها يزعم لنفسه أنه ضيف هوميروس أو نشأه أو أجاره أو عطف عليه.

ونحن نذهب هذا المذهب نفسه فى تفسير هذه الأخبار والأشعار التى تمس تنفل امرئ القيس فى قبائل العرب.

فهي محدثه انتحلت حين تنافست القبائل العربية فى الإسلام وحين أرادت كل قبيلة وكل حي أن تزعم لنفسها من الشرف والفضل أعظم حظ ممكن. وقد أحس القدماء بعض هذا؟

فصاحب الأغانى يحدثنا أن القصيدة القافية التى تضاف إلى امرئ القيس على أنه قالها يمدح بها السموءل حين لجأ إليه منحولة نحلها دارم بن عقال وهو من ولد السموءل.

واكبر ظننا أن دارم بن عقال لم ينحل القصيدة وحدها وانما نحل القصة كلها وانتحل ما يتصل بها أيضا؛ نحل قصة ابن السموءل الذى قتل بمنظر من أبيه حين أبى تسليم أسلحه امرئ القيس، نحل قصة الأعشى الذي استجار بشريح بن السموءل وقال فيه هذا الشعر المشهور:

شريح لا تتركنى بعد ما علقت

حبالك اليوم بعد القد أظفاري

قد حلت ما بين بانقيا إلى عدن

وطال فى العجم تردادي وتسيارى

فكان أكرمهم عهدا وأوثقهم

مجدا أبوك بعرف غير إنكار

كالغيث ما استمطروه جاد وابله

وفى الشدائد كالسمتأسد الضاري

كن كالسموءل إذ طاف الهمام به

فى جحفل كهزيع الليل جزار

إذ سامه خطتي خسف فكال له

قل ما تشاء فإني سامع حار

فقال غدر وثكل أنت بسنهما

فاختر وما فلهما حظ لمختار

فشط غير طويل ثم قال له

أقتل أسيرك إني مانع جارى

أنا له خلف إن كنت قاتله

وإن قتلت كريما غير غوار

وسوف يعقبنيه إن ظفرت به

رب كريم وبيض ذات أطهار

لاسرهن لدينا ذاهب هدرا

وحافظات إذا استودعن اسرارى

فأختار أد راعه كي لا يسب بها

ولم يكن وعده فيها بختار

ثم كانت هذه القصة المنتحلة سببا فى انتحال قصة أخوى هى قصة ذهاب امرئ القيس إلى القسطنطينية وما يتصل بها من الأشعار.

منتحلة هذه القصيدة الرائية الطويلة التى مطلعها.

سما لك شوق بعد ما كان أقصرا

وحلت سليمي بطن ظبي فعرعرا

منتحل هذا الشعر الذى قاله امرؤ القيس حين دخل الحمام مع قيصر والذي تنزه هذا الكتاب عن روايته.

منتحل هذا الحب الذى يقال إن امرؤ القيس أضمره لابنة قيصر.

منتحلة هذه الأشعار التى تضاف إلى امرئ القيس حين أحس السم وهو قافل من بلاد الروم.

كل هذا منتحل لأنه يفسر هذه الأحاديث التى شاعت، لتلك الأسباب التى قدمناها.

وإذا لم يكن بدا من التماس الأدلة الفنية على انتحال هدا الشعر، فقد نحب أن نعرف كيف زار امرؤ القيس بلاد الروم وخالط قيصر حتى دخل معه الحمام وفتن ابنته ورأى مظاهر الحضارة اليونانية فى قسطنطينية ولم يظهر لذلك أثر ما فى شعره: لم يصف القصر ولم يذكره، لم يصف كنيسة من كنائس قسطنطينية، لم يصف هذه الفتاه الإمبراطورية التى فتنها، لم يصف الروميات، لم يصف شيئا ما يمكن أن يكون روميا حقا.

ثم يكفى أن تقرأ هذا الشعر لتحس فيه الضعف والاضطراب والجهل بالطريق إلى قسطنطينية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير