فأما المتأخرون من الرواة بعد الإسلام فقد التمسوا لهذه التسمية تفسيرا فوجدوه فى سهولة ويسر، أليس قد رحل مع امرئ القيس فى القسطنطينية؟
أليس قد مات فى هذه الرحلة؟ فهو إذن عمرو الضائع لأنه ضاع فى غير قصد ولا وجه.
أما نحن فنفسر هذا الاسم كما فسرنا اسم امرئ القيس، ونرى أن عمرو بن قميئة ضاع كما ضاع امرؤ القيس من الذاكرة، ولم يعرف من أمره شئ إلا اسمه هذا كما لم يعرف أمر امرئ القيس ولا من أمر عبيد إلا اسمهما، ووضعت له قصة كما وضعت لكل من صاحبيه قصة، وحمل عليه شعر كما حمل علي صاحبيه الشعر أيضا.
قال الرواة: إن ابن قميئة عمر طويلا وعرف امرأ القيس وقد انتهت به السن إلى الهرم، ولكن امرأ القيس أحبه واستصحبه فى رحلته رغم سنه.
قال ابن سلام: إن بنى اقيش كانوا يدعون بعض شعر امرئ القيس لعمرو بن قميئة، وليس هذا بشيء. وفى الحق إن هذا ليس بشيء؟
فإن هذا الشعر لا يمكن أن يكون لعمرو ابن قميئة كما لا يمكن أن يكون لامرئ القيس فهو شعر محدث محمول.
وإذا كأن عمرو بن قميئة لم يعرف امرأ القيس، إلا بعد أن تقدمت به السن وأدركه الهرم فيجب أن يكون قد قال الشعر قبل امرئ القيس الذى لم تتقدم به السن.
والرواة يزعمون أن ابن قميئة قال الشعر فى شبابه الأول.
وإذن فليس امرؤ القيس هو أول من فتع للناس باب الشعر، ولكن ما لنا نقف عند شيء كهذا والرواة يضطربون فيه اضطرابا شديدا؟ فهم يزعمون أن أول من قصد القصائد مهلهل ابن ربيعة خال امرئ القيس.
وكان امرأ القيس إنما جاءه الشعر من قبل أمه ومعنى ذلك أن الشعر عدنانى لا قحطانى.
ومن هنا نشأت نظرية أخرى تزعم أن الشعر يمانى كله، بدئ بامرئ القيس فى الجاهلية وختم بأبى نواس فى الإسلام.
فأنت ترى أنا حين نقف عند مسألة كهذه لا تتجاوز العصبية بين عدنان وقحطان ولكن سترى أكثر من هذا بعد قليل.
قصة عمرو بن قميئة التى يرويها الرواة ليست شيئا قيما، وانما هى حديث كغيره من الأحاديث؟
فهم يزعمون أن أباه توفى عنه طفلا فكفله عمه؟ ونشأ
عمرو جميلا وضئ الطلعة فكلفت به امرأة عمه وتكلمت ذلك حتى إذا غاب زوجها لأمر من أموره أرسلت إلى الفتى، فلما جاء دعته إلى نفسها فامتنع وفاء لعمه وامتناعا عن منكر الأمر، وانصرف.
ولكنها حنقت عليه وألقت على أثره جفنه، حتى إذا عاد زوجها أظهرت الغضب والغيظ وقصت على زوجها الأمر وكشفت عن الأثر، فغضب الرجل على ابن أخيه.
هنا يختلف الرواة، فمنهم من يزعم أنه هم بقتله " فهرب الى الحيرة، ومنهم من يزعم أنه أعرض عنه.
ومهما يكن من شئ فقد اعتذر الشاب إلى عمه في شعر نروى لك منه طرفا لتلمس بيدك ما فيه من سهولة ولين وتوليد:
خليلي لا تستعجلا أن تزودا
وأن تجمعا شملي وتنتظرا غدا
فما لبثي يوما بسائق مغنم
ولا سرعتي يوما بسائقة الردى
ون تنظرا فى اليوم أقض لبانه
وتستوجبا منا على وتحمدا
لعمرك ما نفس بجد رشيدة
تؤامرنى سوءا لأصوم مرثدا
وإن ظهرت منى قوارص جمة
وأفرغ من لؤمي مرارا واصعدا
على غير جرم أن أكون جنيته
سوى قول باغ كادني فتجهدا
لعمري لنعم المرء تدعو بخلة
إذا المنادى فى المقامة نددا
عظيم رماد القدر لا متعبس
ولا مؤيس منها إذا هو أوقدا
وإن صرحت كحل وهبت عرية
من الريح لم تترك من المال مرقدا
صبرت على وطء الموالى وخطبهم
إذا ضن ذو القربى عليهم واخمدا
ولم يحم حرم الحي إلا محافظ
كريم المحيا ماجد غير أجردا
ونظن أن النظر فى هده القصيدة يكفى ليقنع القارئ بأننا أمام شئ منتحل متكلف لا حظ له من صدق.
وليس خيرا من هذه القصيدة هذا الشعر الذى يقال إن عمرو ابن قميئة أنشأه لما لقدمت به السن يصف به هرمه ضعفه.
ولعله قاله قبل أن، يرتحل مع امرئ القيس إلى بلاد الروم.
ويزعم الشعبي، أو من روى عن الشعبي أن عبد الملك ين مروان تمثل به فى علته التى مات فيها. وهو:
كأني وقد جاوزت تسعين حجه
خلعت بها عنى عنان لحامى
على الراحتين مرة وعلى العصا
أنوء ثلاثا بعدهن قيامي
رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى
فما بال من يرمى وليس برام
فلو أن ما أرمى بنبل رميتها
ولكنما أرمى بغير سهام
إذا ما رآنى الناس قالوا ألم يكن
حديثا جديد البرى غير كهام
وأفنى وما أفنى من الدهر ليلة
وما يفنى ما أفنيت سلك نظامي
وأهلكني تأميل يوم وليلة
وتأميل عام بعد ذاك وعام
¥