تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فنحن نستطيع بعد هذا أن نضيف عمرو بن قميئة إلى صاحبيه الضائعين: (عبيد وامرئ القيس)، وأن ننتقل الى مهلهل، لنرى ماذا يمكن أن يثبت لنا من أمره وشعره.

فأما أمره فنظن أنه يسير لا سبيل إلى الاختلاف فيه. فيجب أن نبلغ من السذاجة حظا غير قليل لنسلم بما كان يتحدث به الرواة من أمر هذه القصة الطويلة العريضة: قصة اليسوس.

ونظن ان الاتفاق يسير على أن هذه القصة كد طولت ونمت وعظم أمرها فى الإسلام حين اشتد التنافس بين ربيعة ومضر من ناحية، وبين بكر وتغلب من ناحية أخرى؟ وليس مهلهل فى حقيقة الأمر إلا بطل هذه القصة؟

فقد عظم أمره وارتفع شأنه بمقدار ما نميت هذه القصة وطول فلها. ولسنا نذكر أن خصومة عنيفة كانت بين القبيلتين الشقيقتين بكر وتغلب فى العصور الجاهلية القديمة، وأن هذه الخصومة كد انتهت إلى حروب سفكت فيها الدماء وكثرت فيها القتلى؟

ولكن أسباب هذه الخصومة ومظاهرها وأعراضها وآثارها الأدبية قد ذهبت كلها ولم يبق منها إلا ذكرى ضئيلة تناولها القصاص فاستغلوها قويا، ووجدت بكر، تغلب وبيعة كلها حاجتها فى هذا الاستغلال.

ولم لا؟

ألم تكن النبوة والخلافة ومظاهر الشرف كلها لمضر فى الإسلام؟

وكيف يستطيع العرب من رييعة أن يؤمنوا لمضر بهذه السيادة وهذا المجد دون أن يثبتوا لأنفسهم فى قديم العهد على أقل تقدير مجدا وشرفا وسيادة؟ وقد فعلوا: فزعموا أنهم كانوا سادة العرب من عدنان فى الجاهلية: كان منهم الملوك والسادة، وكان منهم الذين ذادوا القحطانية عن ولد عدنان، وكان منهم الذين قاوموا طغيان اللخميين فى العراق الغسانيين فى الشام، وكان منهم الذين هزموا جيوش كسرى فى يوم ذى قار.

لمضر إذن حديث العرب بعد الإسلام، ولربيعة قديم العرب قبل الإسلام.

فإذا لاحظت إلى هذا ما كان من الخصومة الفعلية بين ربيعة ومضمر أيام بنى أمية وما كان من الخصومة الأدبية بين جرير شاعر مضر الذى يقول:

ان الذى حرم المكارم تغلبا

جعل النبوة والخلافة فينا

هذا ابن عمى فى دمشق خليفة

لو شئت ساقكم الى قطينا

وبين الأخطل الذى يقول:

أبنى كليب ان عمى اللذا قتلا الملوك وفككا الأغلالا نقول إذا لاحظت كل هذه الخصومات لم يصعب عليك أن تتصور كثرة الانتحال فى القصص والشعر.

حول رييعة عامة وحول هاتين القبيلتين من ربيعة خاصة، وهما بكر وتغلب.

على أن بعض الرواة كانوا يظهرون كثيرا من الشك فيما كانت تتحدث به بكر وتغلب من أمر هذه الحروب - ومهما يكن من شئ فليست شخصية مهلهل بأوضح من شخصية امرئ القيس أو عبيد أو عمرو بن قميئة؟

وانما تركت لنا قصه البسوس منه صورة هى إلى الأساطير أقرب منها إلى اى شئ آخر، ومن هنا قال ابن سلام إن العرب كانت ترى أن مهلهلا كان يتكثر ويدعى فى شعره أكثر مها يعمل، والحق إن مهلهلا لم يتكثر ولم يدع شيئا، وانما تكثرت تغلب فى الإسلام ونحلته ما لم يقل.

ولم تكتف بهذا الانتحال بل زعمت أن أول من قصد القصيد وأطال الشعر، ثم أحست ما نحس الآن أو أحسه الرواة أنفسهم وهو أن فى هذا الشعر اضطرابا واختلاطا فزعمت، أو زعم الرواة، أنه لهذا الاضطراب والاختلاط سمى مهلهل، لأنه هلهل الشعر. والهلهلة الاضطراب.

يستشهد ابن سلام على هذا بقول النابغة: " أتاك بقول هلهل النسج كاذب " وليس من شك فى أن شعر مهلهل مضطرب، فيه هلهلة واختلاط.

ولكننا نستطيع أن نجد هذه الهلهلة نفسها فى شعر امرئ القيس وعبيد وابن قميئة وكثير غيرهم من شعراء العصر الجاهلى، فقد كانوا جميعا مهلهلا أذن.

غير أننا لا نستطيع أن نطمئن إلى أن يهلهل شعراء الجاهلية جميعا الشعر بحيث يصبح لكل واحد منهم شخصيات شعرية مختلفة تتفاوت فى القوة والضعف وفى الشدة واللين وفى الأغراب والسهولة.

وإذن فمن الذي هلهل الشعر؟ هلهله الذين وضعوه من القصاص والمنتحلين وأصحاب التنافس والخصومة بعد الإسلام.

ويحسن أن نظهرك على شئ من شعر مهلهل لترى كما نرى أنه لا يمكن أن يكون أقدم شعر قالته العرب:

أل يلتنا بذي حسم أنيري

إذا أنت انقضيت فلا تحوري

فإن يك بالذنائب طال ليلى ف

قد أبكى من الليل القصير

فلو نبش المقابر عن كليب

لأخبر بالذنائب اى زير

ويوم الشعشمين لقرعينا

وكيف لقاء من تحت القبور

على أنى تركت بواردات

بجيرا فى دم مثل العبير

هتكت به بيوت بنى عباد

وبعض الغشم أشفى للصدور

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير