كيف يبكي لمَحْبَس في طُلُول = من سَيُفْضِي لِحَبْسِ يَوم طويلِ
إن في البعث والحساب لشغلاً = عن وقوفٍ برَسْمِ دَار محيل
والله أعلم بالصواب
وكان بشَارٌ حاضرَ الجواب سجًّاعاً خطيباً ..... صاحبَ منثور ومُزْدَوج ورَجز ورسائل مختارة .... على كثير من الكلام ..... ودخل على عُقْبة بن مسلم بن قتيبة ...... فأنشده مديحاً وعنده عقبة بن رُؤْبة ... ((ابن رؤبة بن الحجاج الاجز المشهور))
فأنشده أرجوزة .... ثم أقبل على بشار فقال: هذا طِراز لا تحسنه يا أبا معاذ فقال: واللّه لأنا أرجز منك ومن أبيك؛ ثم غدا على عقبة من الغَد، فأنشده أرجوزته:
يا طَلَل الحيّ بذات الصَّمْد = باللّهِ خَبّر ْكيف كنتَ بعدي
يقول فيها:
صَدَّتْ بخدً وجلَتْ عن خَد = ثم انثَنَتْ كالنَّفَس المُرْتَد
وصاحبٍ كالدمل المُمِدّ = حملْتُه في رُقْعَة من جِلدي
حتى اغتدى غيرَ فقيد الفَقْد = وما درى ما رَغْبَتي من زهدي
والبَسْ طِرَازي غيرَ مُسْتَرَد = للَّهِ أيامُك في مَعَد
هي طويلة ... فأجزلَ صلته ... فلمّا سمع ابن رُؤبة ما فيها من الغريب قال: أنا وأبي وجدي فتحْنَا الغريبَ للناس ... وإني لخليق أن أسدّه عليهم ... فقال بشار: ارحمهمْ، رحمك اللّه! قال: تستخفّ بي وأنا شاعر ابن شاعر ابن شاعر؟ قال: إذاً أنت من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرِّجْس وطهَّرهم تطهيراً!
فضحك كلّ مَنْ حضر.
ودخل على المهدي وعنده خالُه يزيد بن منصور الحميري ... فأنشده قصيدة .... فلمّا أتمها قال له يزيد: ما صناعتك يا شيخ. قال: أثْقُبُ اللُؤلُؤَ .... فقال له المهدي: أتهْزَأُ بخَالي؟. فقال: يا أميرَ المؤمنين .... فما يكونُ جَوَابي لمن يَرَى شَيْخاً أعمى يُنْشِدُ شعراً فيسأله عن صِنَاعته؟ وقْال جَوَاري المهدي للمهدي: لو أذِنْتَ لبشَّار يدخل إلينا يؤانسنا ويُنُشِدنا فهو محجوب البَصَرِ .... لا غيرة عليك منه، وأكمره فدخل إليهنّ واستظرفْنَه ..... وقلْن له: وددْنا واللَّهِ يا أبا معاذ أنك أبونا حتى لا نفارقِك ..... قال: ونحن على دينِ كسرى! فأمر المهدي ألاّ يدخل عليهن.
((وكان المهدي من الناس الغيورين .. ومعروف هذا الشيء به))
............
وأكتفي بهذه الأخبار .. وسأقول أجمل الأبيات لبشار بن برد
من محاسن شعره:
حرّم الله أن ترى كابن سلم = عقبة الخير مطعم الفقراء
ما لكي تنشق عن وجهه الحر = ب كما انشقت السماء عن ذكاء
ليس يعطيك للرجاء ولا الخو = ف ولكن يلذّ طعم العطاء
لا .. ولا أن يقال شيمته الجو = د ولكن طبائع الأباء
وقوله في الغزل .. ويعد أشعر بيت غزل قالته المولدون
أنا واللّه أشتهي سحر عينيك = وأخشى مصارع العشاق
وقصيدته الشهيرة البائيه التي يقول فيها:
إذا كنت في كلّ الأمور معاتباً=صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه ف
عش واحداً أو صل أخاك فإنه = مقارف ذنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم تسرب مراراً على القذى = ظمئت وأى الناس تصفو مشاربه
ومنها يقول:
إذا الملك الجبار صعّر خده = مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
كأن مثار النقع فوق رؤسنا = وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
ونسيت أن أقول
أن المهدي الخليفة نهى بشار بن برد بقوله الغزل وأن النساء تصبوا لشعره .. وكانوا دائما يأتونه البيت لكي يسمعون شعره
فقال له خالهُ يزيد بن منصور الحميري: يا أمير المؤمنين، قد فتن النساء بشعره، وأي امرأة لا تَصْبُو إلى مثل قوله:
عَجِبَتْ فَطْمَةُ من نَعْتِي لها = هل يُجِيد النعتَ مكفوفُ النظَر؟
بِنْتُ عَشرٍ وثلاث قسمَتْ = بين غُصْنٍ وكثيبٍ وقَمَرْ
درّةٌ بَحْرِيةٌ مكنونة = مازَها التاجر من بين الدُرَرْ
أذْرَتِ الدمعَ وقالت: ويلَتي= من وَلُوعِ الكف ركابِ الخَطَر
أمَتي بددَ هذا لُعبَي = ووِشاحِي حله حتى انتثَرْ
فَدَعيني معه يا أمتي = علنا في خَلْوةٍ نَقْضِي الوَطَرْ
أقْبَلَتْ في خَلْوَة تضربها = واعتراها كجنونٍ مُسْتَعِرْ
بِأَبي واللهِ ما أحسنَه = دَمْعُ عين غَسلَ الكُحْلَ قَطَرْ
أيها النُّوَامُ هبوا وَيْحَكُم = وسَلُوني اليومَ ما طَعْمُ السهَر
((بصراحة .. أبيات غزلية من الطبقة الرفيعة جدا .. وهي من المطربات المرقصات))
فأمره المهدي ألا يتغزل .... فقال أشعاراً في ذلك منها:
يا منظراً حسناً رأيْتُه = من وجه جارية فدَيتُه
لمعتْ إلي تَسُومني = ثَوْبَ الشباب وقد طويْتُه
¥