تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإذا أوصيتك فإني أوصيك أن تكثر من قراءة القرآن ومراجعة الكشاف (تفسير الزمخشري). ثم إدمان النظر في كتاب من كتب الحديث كالبخاري أو غيره ثم قطع النفَس في قراءة آثار ابن المقفع (كليلة ودمنة واليتيمة والأدب الصغير) ثم رسائل الجاحظ وكتاب البخلاء، ثم نهج البلاغة، ثم إطالة النظر في كتاب الصناعتين للعسكري والمثل السائر لابن الأثير ثم الإكثار من مراجعة أساس البلاغة للزمخشري. فإن نالت يدك مع ذلك كتاب الأغاني أو أجزاء منه والعقد الفريد، وتاريخ الطبري فقد تمت لك كتب الأسلوب البديع. اقرأ القطعة من الكلام مرارا كثيرة ثم تدبرها وقلب تراكيبها ثم احذف منها عبارة أو كلمة وضع من عندك ما يسد سدها ولا يقصر عنها واجتهد في ذلك، فإن استقام لك الأمر فترق إلى درجة أخرى. وهي أن تعارض القطعة نفسها بقطعة تكتبها في معناها وبمثل أسلوبها فإن جاءت قطعتك ضعيفة فخذ في غيرها ثم غيرها حتى تأتي قريبا من الأصل أو مثله.

42

إنه ليس بين الشيخ أبي رية الذي نعرفه والشيخ أبي رية الكاتب المشهور إلا سنتان من عمر الجد والتعب، وما أرى أحدا يفلح في الكتابة والتأليف إلا إذا حكم على نفسه حكما نافذا بالأشغال الشاقة الأدبية كما تحكم المحاكم بالأشغال الشاقة البدنية فاحكم على نفسك بهذه الأشغال سنتين أو ثلاثا في سجن الجاحظ أو ابن المقفع أو في غيرهما وهبها كانت في أبي زعبل أو طره

44

ومن المعلوم أن التكرار يفيد التوكيد وله مواضع مبينة في البلاغة لو ترك فيها لخرجت العبارة ضعيفة أو ناقصة.

..... وما اقتضاه السياق فهو طبيعي لأنه من بنية الكلام. بخلاف ما إذا سجع الكاتب فجاء بكلام لا يراد منها إلا السجع وبعد سطر أو سطرين كرر السجعة نفسها لغرض السجع أيضا فإنها تجيء أبرد كلام وأسخفه.

45

وأما العمرية [قصيدة حافظ في عمر] فإن حافظا نظم وتصرف في عبارة التاريخ فجاء بعض كلامه موهما معاني غير صحيحة. والقصة التي أشار إليها يمكن أن يؤخذ منها كما هي في نظمه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع الغناء ويشهد الرقص النسائي وكان أضعف في الدين من عمر وكان وكان الخ الخ ولكن القصة في نفسها لا تفيد شيئا من هذا كله. فالرواية أن جارية سوداء جاءت النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف من بعض مغازيه فقالت إني كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف قال: إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا. فجعلت تضرب ثم دخل أبو بكر ثم علي ثم عثمان وهي تضرب فلما دخل عمر ألقت الدف وجلست عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليخاف منك يا عمر. فلم يفر الشيطان ولكنه خاف أو كأنه خاف ولا يخفى أن اللهو كله من الشيطان فهي عبارة مجازية وأنت ترى أنها جارية سوداء وأنها لم تفعل شيئا إلا الضرب بالدف وهذا كان من عادات سائر العرب إذا انقلب أبطالهن من الغزو وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص للجارية إلا لتوفي نذرها لا غير فأي شيء في هذا كله؟ وبالجملة فإن حافظا إنما نظم تاريخا موضوعا وكان خليقا به أن يضع تاريخا جديدا كما يكتب رجل مثل كارليل في كتاب الأبطال أو نحو ذلك.

46

هل تصدق يا أبا رية أني كتبت الجزء الأول من تاريخ آداب العرب في ثلاثة أشهر مع اشتغالي بأعمال المحكمة، وأني كتبت حديث القمر كله في مدة لا تزيد عن أربعين يوما غير متفرغ له إلا ساعتين كل يوم؟ فترى هل يريد سادتنا الأولياء أن يصرفوني عن هذه الأعمال أم ماذا أصابني وقد مضى علي أربعة عشر شهرا لا أعرف لي علاجا.

48

وقد نبهني الطبيب إلى أنني لو جمعت فكري على الشفاء واعتقدت يقينا أن دواءه شاف قطعا فإني أنشط سريعا من هذا المرض، وهذا صحيح يثبته علم النفس، وعلم الطب ولكن كيف أصنع بهذا التخيل أو هذه الفلسفة أو سمه ما شئت

49 - 50

والخلاصة أن مدار العبارات كلها على التخيل وتصوير الحقائق بألوان خيالية لتكون أوقع في النفس ومن هنا كان الذين لا معرفة لهم بفنون المجاز أو لا ميل لهم إلى الشعر لا يميلون إلى كتابتي ولا يفهمونها حق الفهم مع أن المجاز هو حلية كل لغة وخاصة العربية ولا أعد الكاتب كاتبا حتى يبرع فيه وهذا الذي جعلني أكثر منه مع أنه متعب جدا ولكني أرمي إلى تربية ملكات القراء وإعطائهم أمثلة من التصور إلى آخر ما تعرفه.

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[16 - 08 - 2007, 03:04 م]ـ

52 – 53

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير