وأظن هذه البلاد في حاجة إلى رجل يرصد نفسه وحياته لبيان الغلطات ويعيش دائما عدوا مكروها في سبيل الله كما كن المرحوم أمين بك الرافعي ومن الذي يقدر على هذا في شعب لا يكافئ ولا يميز؟
........ إن الأدب يا أبا رية منحط انحطاطا غريبا فأنا في هذه الأيام أقرأ كتاب زهر الآداب الذي طبعه الدكتور زكي مبارك ويباهي في مقدمته بتصحيحه وما لقيه في سبيل التصحيح فإذا فيه غلطات تدل على جهل هذا الدكتور وأنه في النهاية من الغباوة، والخلاصة أهي ماشية!
169
وقد كان عندي بالأمس أحد الأدباء المطلعين على الآداب الإنجليزية فأقرأته بعض رسائل منها فقال إن مثل هذا لا يوجد في الأدب الإنجليزي إلى الآن والحمد لله على توفيقه نسأله عونه وتيسيره والسلام عليك
170
وإني أحمد الله على هذا الكنز [يعني كتابه أوراق الورد] وتوفيقي إليه فليس في العربية كلها ما يشبهه.
171
كنت من يومين أكتب في أوراق الورد فخطر لي معنى وظننت أنه ربما كان في رسائل الأحزان فتناولتها لمراجعة الموضع الذي فيه المعنى. ولكن يا أبا رية ما قولك إذا علمت أني تركت الكتابة وأخذت في قراءة الرسائل من أولها إلى آخرها مدة ثلاث ساعات حتى انتهيت منها وكان بودي أن لا تنتهي.
وستكون أوراق الورد إن شاء الله مع الرسائل والسحاب آية لا نظير لها في فنها.
172
أما كلمة زكي مبارك فالأدب أصبح كما ترى وقد صار كل شيء يخدع ولو اطلعت على أغلاط زكي مبارك هذا في تصحيح زهر الآداب لأيقنت أنه حـ ... كبير! وهو مع ذلك دكتور آداب وقد أخذ بعض الأصدقاء أمثلة من هذه الأغلاط وأرسلها إلى المقتطف
[أبو رية: لم ينشر المقتطف هذه الأغلاط وقد علم شيخنا الرافعي أن الدكتور زكي مبارك أخذها من المقتطف وانتفع بها في الطبعة الثانية (هكذا حدثني الرافعي رحمه الله وهو المصطفى الصادق)]
أوشكت أوراق الورد تتم ... وهذا الكتاب عندي أفضل من جزء من تاريخ الأدب وأفضل من تآليف كثيرة ولا أظن أن في اللغة العربية مثله فالله تعالى يرزقنا فيه القبول والبخت.
173
كلمة الشيخ [يعني محمد عبده] (العلم ما علمك ما أنت ممن معك) استعمل (ما) لأنها الأوسع في الدلالة إذ لو قال (من) لانحصر الأمر في الشخصية فكأنه يقول ما علمك شخصك من الأشخاص الذين معك أي من أنت منهم إن كنت دونهم أو مساويهم أو أعلى إلخ وهذا تحديد ناقص للعلم ولكنه حين يقول ما علمك ما أنت منهم فقد أراه ماهيته وحقيقته وشخصيته وموضعه وكل ما يتعلق به باعتباره قطعة من الوجود، فيكون بذلك دارسا كل حقيقة من سياسية وأدبية وعلمية ومالية إلخ إلخ وهذا هو العلم في أوسع وأدق معانيه على اعتبار أنه دراسة لنواميس الوجود في تلك القطعة من الوجود التي عبر عنها الشيخ بما
174
وإليك أجوبة خرفشتك العجيبة فإن مثل أوراق الورد لو اتفق فيه عشرون غلطة نحوية ولغوية لا تقبل التأويل فإن ذلك لا يؤثر فيه لأن صفحة واحدة من هذه المعاني هي ذخيرة للغة العربية.
الأفعال يضمَّن بعضها معاني بعض فإذا ضمن فعل معنى فعل آخر استعمل استعماله فيتعدى بعن أو على إلخ، فتمتاز على الشمس أي تفضَّل، وإني أستعمل التضمين كثيرا وأتعمده لأنه يجمع بلاغتين وكان صادق عنبر كلمني في ذلك وقال إن التضمين سماعي فقلت له إن الشواهد الموجودة منه تعد بالألوف وبذلك يخرج عن أن يكون سماعيا ويجوز لنا استعماله للتوسع في اللغة.
ومجيء الواو بعد إلا وارد في القرآن، فليس هناك أفصح وفصيح إلا في الأسلوب فإن كانت الواو تجعل العبارة أجمل وضعت، وإن كان حذفها (أجمل) حذفت ولذلك تراني أستعملها على الوجهين فمرة أثبتها ومرة أحذفها.
ولفظة (العادية) صحيحة لأنها منسوبة إلى العادة وهي هنا فقط وقد تنبهت لها عند كتابتها وحذفتها في مواضع أخرى واستعملت مكانها ألفاظا غيرها ولكني رأيتها ظريفة في عبارة القطعة البشرية العادية فتركتها لأن الغرض تحقير القطعة واعتبارها / غير ذات شأن إذ كانت مما تجري به العادة فليس فيها ما تنفرد به أو تقع موقعا غريبا. ومع ذلك تنقلب (خارقة للعادة) فخرقها للعادة يقتضي ذلك التعبير. أفهمت؟
(واكتشف) صحيحة وأنا أستعملها كثيرا وإن لم توجد في المعاجم لأن شأننا شأن العرب ما دمنا نضع على طريقتهم، ولا قيمة لكاتب لا يضع في اللغة أوضاعا جديدة.
176
¥