تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في هذه الأبيات لم يكتف ابن الفارض بطلب الزيادة في الحب فقط وإنما طلب من الله زيادة في الإفراط في هذا الحب حين جمع بين هاتين الكلمتين (زدني بفرط) والفرط يعني مجاوزة الحد، والإفراط في الحب لايسمى حبا، وإنما يرتفع ليصل إلى مرحلة العشق والوجد ثم الفناء عند الصوفيين، وكلمة (تحيرا) ترمز إلى الفناء وهذا المعنى الذي استنبطته من كلمة (تحيرا) فهي من حار الرجل يحار حَيْرَةً وحَيْرًا وحَيَرًا وحَيَرانًا نظر إلى الشيءِ فغُشِي عليهِ، فهنا الشاعر يطلب من الله أن يصل إلى مرحلة عالية من العشق إلى أن يشعر بتلك اللذة التي تغيبه عن الحياة وتفنيه من الوجود.

(وارحم حشى بلظى هواك تسعرا): من معاني الرحمة: ترك عقوبة من يستحق العقوبة، وهذه من ضمن الكرامات التي يصل إليها الصوفي حينما يتوقف عن جميع العبادات بدعوى أنه وصل إلى مرحلة لا يعاقبه الله عليها حتى وإن ترك الواجبات وافتعل المحرمات، وهذه المرحلة التي يسعى لتحقيقها ابن الفارض حينما طلب من الله أن يعطف عليه ويرحمه ويكف عنه عذابه،نتيجة لما وصل إليه من الدرجات العليا في الحب الإلهي وهذا ماعبر عنه بكلمة (هواك) و (فرط الحب) وما عبر عنه المعنى العام الذي يشير إليه الشطر الثاني من تسعر الحشى بلظى النيران إشارة إلى معاناة المحب والعاشق الإلهي،وهذا المعنى ستأكده الأبيات القادمة.

وإذا سألتك أن أراك حقيقة ... فاسمح، ولا تجعل جوابي لن ترى

ويستمر ابن الفارض في سوء أدبه مع الله تعالى ويطلب منه رؤيته رؤية حقيقية واقعية في صورته كما هو عليها، وليته فطن أن هذا الأمر لم يتحقق للأنبياء والرسل من قبله فأنّى لابن الفارض ذلك!

يحاكي ابن الفارض في هذا البيت قوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال: رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ... }

وكأن ابن الفارض يظن نفسه أعز عند الله من موسى عليه السلام .. حتى يقول لله لا تجعل جوابي لن ترى.

أما رأي الصوفيين في هذا البيت فمنهم من يعترض عليه ويقول إذا كان موسى عليه السلام قد منع الرؤية عندما طلبها , فكيف ترقت همة الشيخ رضي الله عنه إلى طلبها؟

فيجيب بعض الصوفيين أن ابن الفارض يقصد رؤية الله في الآخرة بدليل التعبير بقوله و (إذا) فإنها تدل على الزمان المستقبل على أنه إذا كان ممكنا فيجوز الطلب لكل من يمكنه ذلك.

أما أنا فإني أنقض رأيهم بما تثبته لي الأبيات التالية:

ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا ... سر أرق من النسيم إذا سرى

وأباح طرفي نظرة أملتها ... فغدوت معروفا وكنت منكرا

فدهشت بين جماله وجلاله ... وغدا لسان الحال عني مخبرا

فابن الفارض يقصد بـ (إذا) المستقبل القريب، وهي الفترة التي ينتظرها بعد الخلوة حتى يحصل له الفناء والاتحاد مع الله كما يزعم، فلا أظن أبدا أنه يقصد الرؤية في الآخرة، لأن العبادات والخلوات التي يقوم بها في الدنيا هدفها حدوث هذه الرؤية التي يطمح إليها ابن الفارض.

(سألتك): جاءت بمعنى الطلب والالتماس لأنها تعدت إلى مفعولين بنفسها، ولو أنها تعدت بحرف الجر (عن) فستكون بمعنى الاستخبار، وهنا ابن الفارض يطلب من الله أن يتنزل عليه لرؤيته عيانا بيانا وهذا هو ظاهر الأبيات.

ياقلب أنت وعدتني في حبهم ... صبرا فحاذر أن تضيق وتضجرا

إن الغرام هو الحياة فمت به ... صبا، فحقك أن تموت، وتعذرا

الشاعر في هذين البيتين يصور معاناة العشق الإلهي، وكيف أنه يحتاج إلى مصابرة ومكابدة حتى يصل إلى مايطمح إليه من الفناء و هو الغيبة عن صفات البشرية ليحمل سمات الألوهية بدلاً من سمات البشرية، الأمر الذي يجعل منه لذة تجري على المرء.

والموت الذي أشار إليه في البيت الثاني يرمز إلى (الفناء التام) أو مايسمى بالموت الاختياري والإنسان لا يصل إلى هذه المرحلة إلى بمجاهدات شاقة ترمي إلى إماتة الحواس وتصفية النفس من جميع الشوائب وهذا الموت يتم في هذه الحياة الدنيا والروح مازالت تحل في الجسد، فمن شدة الحب يغيب الصوفي عن الوعي حتى ينسى كل شيء وينسى نفسه ولا ينظر إلا إلى محبوبه حتى يظن أنه اتحد بمحبوبه وامتزج به.

ـ[قطرالندى]ــــــــ[14 - 10 - 2008, 08:30 م]ـ

قل للذين تقدموا قبلي، ومن ... بعدي، ومن أضحى لأشجاني يرى

عني خذوا وبي اقتدوا ولي اسمعوا ... وتحدثوا بصبابتي بين الورى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير