وقوفاً بها صحبي على مطيهم= يقولون لا تهلك أسى وتحمل
وكقول طرفة:
وقوفا بها صحبي علي مطيهم =يقولون لا تهلك أسى وتجلد
الضرب الثاني من النسخ: وهو الذي يؤخذ فيه المعنى وأكثر اللفظ كقول بعض المتقدمين يمدح
معبدا صاحب الغناء:
أجاد طويس والسريجي بعده= وما قصبات السبق إلا لمعبد
ثم قال أبو تمام:
محاسن أصناف المغنين جمة =وما قصبات السبق إلا لمعبد
أما السلخ هو: أخذ بعض المعنى مأخوذا ذلك من سلخ الجلد الذي هو بعض الجسم المسلوخ وهو اثنا عشر ضربا:
فالأول: أن يؤخذ المعنى ويستخرج منه ما يشبهه ولا يكون هو إياه وهذا من أدق السرقات
مذهبا وأحسنها صورة ولا يأتي إلا قليلا.
فمن ذلك قول بعض شعراء الحماسة:
لقد زادني حبا لنفسي أنني= بغيض إلى كل امريء غير طائل
أخذ المتنبي هذا المعنى واستخرج منه معنى آخر غيره إلا أنه شبيه به فقال:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص= فهي الشهادة لي بأني فاضل
الضرب الثاني من السلخ: أن يؤخذ المعنى مجردا من اللفظ وذلك مما يصعب جدا ولا يكاد
يأتي إلا قليلا.
لضرب الثالث من السلخ: وهو أخذ المعنى ويسير من اللفظ وذلك من أقبح السرقات
وأظهرها شناعة على السارق.
فمن ذلك قول البحتري في غلام.
فوق ضعف الصغير إن وكل= الأمر إليه ودون كيد الكبار
سبقه أبو نواس فقال:
لم يخف من كبر عما يراد به =من الأمور ولا أزرى من الصغر
الضرب الرابع من السلخ: وهو أن يؤخذ المعنى فيعكس وذلك حسن يكاد يخرجه حسنه عن
حد السرقة.
فمن ذلك قول أبي نواس:
قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم= أشهى المطي إلي ما لم يركب
كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة= لبست وحبة لؤلؤ لم تثقب
فقال مسلم بن الوليد في عكس ذلك:
إن المطية لا يلذ ركوبها= حتى تذلل بالزمام وتركبا
والحب ليس بنافع أربابه =حتى يفصل في النظام ويثقبا
الضرب الخامس من السلخ: وهو أن يؤخذ بعض المعنى
فمن ذلك قول أمية بن الصلت يمدح عبد الله بن جدعان:
عطاؤك زين لامريء إن حبوته= ببذل وما كل العطاء يزين
أخذه أبو تمام فقال:
تدعى عطاياه وفراً وهي إن شهرت= كانت فخاراً لمن يعفوه مؤتنفاً
ما زلت منتظراً أعجوبة زمناً= حتى رأيت سؤالاً يجتني شرفاً
الضرب السادس من السلخ: وهو أن يؤخذ المعنى فيزاد عليه معنى آخر.
فمما جاء منه قول الأخنس بن شهاب:
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها= خطانا إلى أعدائنا فنضارب
أخذه مسلم بن الوليد فزاد عليه وهو قوله:
إن قصر الرمح لم يمش الخطا عددا= أو عرد السيف لم يهمم بتعريد
يتبع ...
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[11 - 12 - 2008, 01:01 ص]ـ
الضرب السابع من السلخ: وهو أن يؤخذ المعنى فيكسى عبارة أحسن من العبارة الأولى.
ومن هذا الأسلوب قول أبي تمام:
إن الكرام كثير في البلاد وإن =قلوا كما غيرهم قلوا وإن كثروا
وقال البحتري:
قل للكرام فصار يكثر مدهم= ولقد يقل الشيء حتى يكثرا
الضرب الثامن:وذلك من أحسن السرقات لما فيه من الدلالة على بسطة الناظم في القول وسعة باعه في
البلاغة فمن ذلك قول بشار:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته =وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
أخذه سلم الخاسر وكان تلميذه فقال:
من راقب الناس مات= غماً وفاز باللذة الجسور
الضرب التاسع من السلخ: وهو أن يكون المعنى عاما فيجعل خاصا أو خاصا فيجعل عاما.
وهو من السرقات التي يسامح صاحبها فمن ذلك قول الأخطل:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله= عار عليك إذا فعلت عظيم
فقال الشاعر:
أألوم من بخلت يداه وأغتدي= للبخل تربا ساء ذا صنيعا
الضرب العاشر من السلخ: وهو زيادة البيان مع المساواة في المعنى وذلك أن يؤخذ المعنى
فيضرب له مثال يوضحه فمما جاء منه قول أبي تمام:
هو الصنع إن يعجل فنفع وإن يرث= فللريث في بعض المواطن أنفع
أخذه أبو الطيب المتنبي فأوضحه بمثال ضربه له وذلك قوله:
ومن الخير بطء سيبك عني= أسرع السحب في المسير الجهام
الضرب الحادي عشر من السلخ: وهو اتحاد الطريق واختلاف المقصد ومثاله أن يسلك
الشاعران طريقاً واحدة فتخرج بهما إلى موردين أو روضتين وهناك يتبين فضل أحدهما على
الآخر.
فمما جاء من ذلك قول أبي تمام في مرثية بولدين صغيرين:
نجمان شاء الله ألا يطلعا= إلا ارتداد الطرف حتى يأفلا
إن الفجيعة بالرياض نواضرا= لأجل منها بالرياض ذوابلا
لهفي على تلك الشواهد فيهما= لو أخرت حتى تكون شمائلا
إن الهلال إذا رأيت نموه= أيقنت أن سيكون بدرا كاملا
قل للأمير وإن لقيت موقرا= منه يريب الحادثات حلاحلا
إن تزر في طرفي النهار واحد= رزأين هاجا لوعة وبلابلا
فالثقل ليس مضاعفا لمطية= إلا إذا ما كان وهما بازلا
لا غرو إن فننان من عيدانه= لقيا حماما للبرية آكلا
إن الأشاء إذا أصاب مشذب =منه اتمهل ذرا وأث أسافلا
شمخت خلالك أن يواسيك امرؤ= أو أن تذكر ناسيا أو غافلا
إلا مواعظ قادها لك سمحة= إسجاح لبك سامعا أو قائلا
هل تكلف الأيدي بهز مهند= إلا إذا كان الحسام القاصلا
فقال المتنبي:
ألست من القوم الذي من رماحهم= نداهم ومن قتلاهم مهجة البخل
بمولودهم صمت اللسان كغيره= ولكن في أعطافه منطق الفصل
تسليهم علياؤهم عن مصابهم= ويشغلهم كسب الثناء عن الشغل
عزاءك سيف الدولة المقتدى به =فإنك نصل والشدائد للنصل
تخون المنايا عهده في سليله= وتنصره بين الفوارس والرجل
بنفسي وليد عاد من بعد حمله= إلى بطن أم لا تطرق بالحمل
بدا وله وعد السحابة بالردى= وصد وفينا غلة البلد المحل
وقد مدت الخيل العتاق عيونها =إلى وقت تبديل الركاب من النعل
وريع له جيش العدو وما مشى= وجاشت له الحرب الضروس وما تغلي
المسخ
وأما المسخ فهو: قلب الصورة الحسنة إلى صورة قبيحة.
والقسمة تقتضي أن يقرن إليه صده وهو قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة.
فالأول كقول أبي تمام:
فتى لا يرى أن الفريصة مقتل= ولكن يرى أن العيوب مقاتل
وقول أبي الطيب المتنبي:
يرى أن ما بان منك لضارب =بأقتل مما بان منك لعائب
"عن كتاب المثل السائر في ادب الكاتب والشاعر لابن الأثير بتصرف"
¥