تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[13 Jan 2009, 01:29 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قرأت في أحد البحوث كلاماً عن أهمية أسباب النزول في فهم النص، ذكر الباحث في آخر كلامه عن هذا الأصل ما نصه:

( ..... ولئن سأل سائل عن الفرق بين مناسبة تنزيل، وسبب تنزيل، أجبناه بأنَّ مناسبة التنزيل عبارة عن الجوِّ الذي نزل فيه الوحي، وليس له أي تأثير على النص من حيث وجوده وعدمه، اعتبارًا بمعنى المناسبة في اللغة التي تعني الملاءمة والموافقة.

وأما سبب التنزيل، فإنه يعني الجوَّ الذي استدعى نزول النص، واستوجب ورده، وله تأثير على النصِّ من حيث وجوده وعدمه، انطلاقًا من معنى السبب الاصطلاحيِّ الذي يراد به الشي الذي يلزم من وجوده وجود المسبب، ويلزم من عدمه عدم المسبب.)

فما تعليقكم على ما رآه الباحث هنا؟

سلام الله عليكم

أحسب أن الباحث وقع في خطأ منهجي، هو أخذه بالمعنى اللغوي لكلمة (المناسبة) و تركه له في كلمة (السبب) بغير مسوّغ، و أخذه بالمعنى الاصطلاحي المستعمل في أصول الفقه، و استعماله في غير موضعه؛ إذ محلّه الأحكام لا نزول الآيات؛ لأن نزول الآيات الكريمات غير متوقف على أسباب نزول، و منها ما تنزّل على سببٍ من سؤال أو حادثة، و منها ما نزل ابتداءً على غير أسباب.

و (سبب النزول) أو (أسباب النزول) هي الكلمة أو العبارة التي استعملها الأئمة المتقدّمون في ذِكْر القصة - سؤالاً أو واقعة - التي نزلت الآية أو الآيات الكريمة بشأنها؛ بياناً لِحكْمٍ، أو ذِكْراً لِعبْرة، و غير ذلك من مقاصد.

و من هؤلاء الأئمة: الإمام أحمد؛ فقد أخرج البيهقي في " شعب الإيمان " عن عبد الله بن عمر قال: («كنا نقول: ما لمفتتن توبة، وما الله بقابل منه شيئا، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل فيهم: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله» والآية التي بعدها.

قال الإمام أحمد: «وروينا عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآية ما» ... ). أهـ

و نجد في " السنن الكبرى " للبيهقي: باب سبب نزول الرخصة في التيمم، و باب سبب نزول قول الله تبارك وتعالى {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها})، و باب سبب نزول آية الظهار، و باب سبب نزول قول الله عز و جل {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه})، و غيرهم من أبواب.

و كذلك نجد ذِكر أسباب النزول في تفسير القرطبي، و غيره من كتب التفاسير.

و للإمام العلامة أبي الحسن، على بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت 468 هـ) كتاب: (أسباب النزول)، كتب في مقدمته:

( ... غير أن الرغبات اليوم عن علوم القرآن صادفة كاذبة فيها، قد عجزت قوى الملام عن تلافيها، فآل الامر بنا إلى إفادة المبتدئين المتسترين بعلوم الكتاب، إبانة ما أنزل فيه من الاسباب، إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها، ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الاسباب، وبحثوا عن عِلمها وجَدّوا في الطلاب، وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار.

أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن ابراهيم الواعظ قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد ابن حامد العطار قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال: حدثنا ليث بن حماد قال: حدثنا أبو عوانة، عن عبد الاعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الحديث إلا ما علمتم، فإنه من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار) والسلف الماضون رحمهم الله كانوا من أبعد الغاية احترازا عن القول في نزول الآية.

أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله المخلدي قال: أخبرنا أبو عمرو بن نجيد قال:

أخبرنا أبو مسلم قال: حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال: حدثنا أبو عمير عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سدادا، ذهب الذين يعملون فيما أنزل القرآن.

وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئا ويختلق إفكا وكذبا ملقيا زما مه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب الآية وذلك الذي حَدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للاسباب، لينتهى إليه طالبو هذا الشأن والمتكلمون في نزول القرآن، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجِّدّوا في تحفظه بعد السماع والطلب، ولابد من القول أولا في مبادئ الوحي وكيفية نزول القرآن ابتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعهد جبريل إياه بالتنزيل، والكشف عن تلك الاحوال والقول فيها على طريق الاجمال، ثم نفرع القول مفصلا في سبب نزول كل آية روى لها سبب مقول، مروي منقول، والله تعالى الموفق للصواب والسدد، والآخذ بنا عن العاثور إلى الحدد ... ). أهـ

* * *

قال الشيخ محمد أي زهرة في كتابه (أصول الفقه):

هذا و من المقررات الفقهية أن سبب النص العام لا يعد مخصصا له، بل إن العام على عمومه من غير نظر إلى السبب الخاص الذي جاء النص مقترنا به، و لذا يقول الأصوليون: " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب "، لأن الحجية في النصوص لا في أسبابها، و لا في بواعثها، و قد تكون أسباب النزول طريقا لتفسيرها، و لكنها لا تصلح طريقا لتخصيصها. أهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير