تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويتعلق ذلك بمخالفة عادة في مجتمع مكة الجاهلي وهي أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة فأُمر المسلمون بأخذ الزينة (لبس الثياب) وكان هولاء الجاهليون لا يأكلون اللحم في أيام الحج فأمر الله المسلمين بالأكل والشرب خلافاً لفعل الجاهليين، وروى النسائي: (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة ...... ) فنزلت (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) أي عند كل صلاة وطواف، ولهذا قال أكثر أهل العلم وجمهور فقهاء الأمصار أن ستر العورة من فروض الصلاة واستدل بعضهم بأن الله عز وجل قرن في هذه الآية أخذ الزينة بذكر المساجد يعني الصلاة، لأن الآية نزلت من أجل الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء

مضاعفة الربا:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً) فالآية تنهي عن أكل الربا المضاعف الذي كان في الجاهلية، وهي لم تتناول الربا بإطلاقه؛ وإنما تناولت – للتشنيع - حالة من حالته الفظيعة في الجاهلية فحسب. وقد كانت عادتهم إذا حلّ أجل قضاء الدين يقول صاحب المال للمدين: إما أن تقضي ما عليك وإما أن تربي، أي: تزيد، وهكذا يتضاعف القليل كل عام فيصبح كثيراً مضاعفاً، فالنهي في الآية نهي عن أخذ هذا الربا المضاعف الذي كان في الجاهلية معمولا به.

وراثة النساء:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) والآية تصور عادة اجتماعية ذميمة عند العرب الجاهليين ليست فيها من العدالة شيء، كما أن فيها ظلم كبير يقع على المرأة التي كانت مضطهدة في الجاهلية فكرّمها الإسلام، وقد كانت عادة الجاهليين التي نهى الله عنها في هذه الآية هي: أنهم كانوا يرثون النساء أنفسهن؛ وليس أموالهن؛ كأنهن نوع من الأنصبة الموروثة؛ إذ كانوا إذا مات الرجل منهم كان ورثته يرثون - ضمن ما يرثون - زوجاته، فيصيرون أحق بها من نفسها وأهلها فإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا حبسوها عندهم وأمسكوها حتى تدفع لهم ما ورثته من الميت فدية وربما ألقى عليها الوارث ثوبا فيرث نكاحها فيكون هو أحق بها وقد تعدى الفعل "ترثوا " إلى النساء؛ لتنزيلهن منزلة الأموال الموروثة، لإفادة تبشيع الحالة التي كانوا عليها في الجاهلية وقد جاءت الآية لإلغاء ولاية أهل الزوج بعد موته على الزوجة، وهذه الملابسات لا يمكن فهم الآية بدونها إطلاقاً.

وكل تلك الآيات قد تعلقت بأمور قبل الإسلام ولا يمكن أن تفهم إلا بها ومثلها في كتب" أسباب النزول " كثير؛ وهي أوصاف لمقامات وأحوال تناولتها الآيات وليست بأسباب نزول؛ إذ ليس كل مقام سببا وإن كان كل سبب مقاما.

ورغم أن هولاء العلماء الذين أنكروا على الواحدي إيراده قصة الفيل قد قالوا بضرورة وقوع سبب النزول أيام نزول الآية إلا أنهم أوردوا فصلا في كتبهم عن "تقدم نزول الآية على الحكم" أي أن تنزل الآية أولاً ثم تقع الحادثة التي نزلت فيها.

وبذلك تنفلت بصورة واضحة جدا بعض النماذج عن القاعدة التي حددوها؛ إذ أنه إذا كانت الأخبار الماضية لا تصلح أسباباً عندهم فينبغي أن تكون كذلك الأمور المستقبلية إلا أنهم ذهبوا رغم ذلك إلى أن نزول الآية قد يسبق سبب نزولها؛ وذلك نحو قوله تعالى: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) التي قال عمر بن الخطاب فيها: لم أعلم أي جمع حتى وقعت بدر والحق أن هذه الواقعة لا تصلح سببا بحسب تعريفهم الأول إلا أنها واقعة مهمة تشكل المقام المستقبلي الذي نزلت فيه الآية.

أما قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى) في سورة الأعلى المكية التي ذهبوا إلى أنها قد نزلت في زكاة الفطر ولم يكن في مكة من زكاة ولا عيد؛ فهي – كما هو واضح - لا تشير إلى معنى مستقبلي، ولهذا فإن نزولها بمكة قبل سببها الذي جاء بعد سنوات بالمدينة أمر لا يُتصور؛ وذلك للآتي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير