تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- وردت ثلاث آيات مكية أخرى وهي تحمل هذا اللفظ " تزكى" أي: تتطهر من دنس الكفر، ولم يقل أحد أنها بالمعنى الشرعي للزكاة التي هي دفع مال مخصوص؛ ومن ذلك قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى) وقوله: (وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)، وجاء على لسان موسى لفرعون: (فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى) وسورة الأعلى التي فيها الآية المعنية سبقت في النزول السور المكية الأخرى التي فيها لفظ " تزكى" وهي: فاطر وطه والنازعات.ولهذا ذهب الطبري لهذا المعنى الذي هو التطهر من دنس الكفر؛ يقول في معنى هذه الآية: (قد نجح وأدرك طلبته من تطهَّر من الكفر ومعاصي الله، وعمل بما أمره الله به، فأدّى فرائضه، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل)

- من الأدلة التي تؤكد أن الزكاة هنا هي زكاة النفس لا المال أن قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى) كقوله عن النفس في سورة مكية أخرى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) والتزكي في الآيتين واقع على النفس لا المال، ولهذا قال قتادة: " تزكى " أي:بعمل صالح

- إذا كانت الزكاة هنا هي زكاة المال لا النفس، فليس هذا دليلا على أن المقصود زكاة الفطر التي جاءت بالمدينة، وقد جاء في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت قوله: (قد أفلح من تزكى) للفطر؟ قال: هي في الصدقة كلها (ويبدو أن الزكاة – وإن لم تحدد بالشكل المعلوم – قد كانت معروفة بمكة قبل الهجرة؛ وليس ذلك فحسب بل قد وردت في سورة المزمل؛ وهي من أوائل السور نزولا؛ وذلك في قوله: (فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، ولما كان الأمر كذلك فليس هنالك من مبرر لادعاء مدنية سبب تلك الآية التي يمكن أن يصرف فيها معنى التزكي بسهولة إلى تزكية النفس من ناحية، ثم إن ذكر الزكاة المتعلق بالمال لم يقتصر في السور المكية على المزمل فحسب من ناحية أخرى بل وردت زكاة المال في آيات مكية كثيرة؛ وذلك نحو قوله: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) في سورة الأعراف، وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) في سورة المؤمنون وقوله: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) في سورة النمل وقوله: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) في سورة لقمان، وقوله: (وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) في سورة فصلت، فلا يُتصوَر أن تكون كل هذه الآيات آيات مدنية أو ذات أسباب مدنية وهي في سور مكية.

والحق أن أسباب النزول هذه – على أهميتها – لا تراد إلا للفهم والتفسير؛ إذ هي تشكل المقام الذي يفهم في إطاره المعنى ولا قيمة لخصوصيتها إطلاقا غير ذلك؛ إذ إن العبرة بعموم اللفظ في الآية.

وأسباب النزول المروية ليست على درجة واحدة في الإفهام وبيان المقام؛ فمنها ما هو مهم جداً حيث يتوقف فهم المراد من الآية على علمه أو كذلك الذي يأتي مبيناً للمجملات ودافعاً للمتشابهات ومنها ما ليس مهماً أصلا في ذلك الإفهام؛ وذلك كالحوادث التي تأتي مساوية لمدلولات الآيات فلا تبين مجملا و لا تخصص مدلولاً ولا تقيده،أو تلك الحوادث التي تكثر أمثالها فتختص بشخص واحد كمثال "

وإذا كان سبب النزول – على قلة رواياته الصحيحة – يبين المقام فحسب -فكل ما يؤدي دوره في تبيين المقام يكون إطارا بشرط أن يكون صحيحا سواء جاء من الروايات الصحيحة أو تم استنباطه من النص القرآني نفسه بصورة سليمة؛ ولهذا يقول ابن عاشور " نجد في بعض آي القرآن إشارة إلى الأسباب التي دعت إلى نزولها، وقد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير