تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا يصح أن يعترض بالإجابة بالطلب في مثل قول القائل: ما قلت؟ فيجاب: اقرأ، أو يجاب: لا تقرأ، أو: هل قرأت؟، فإن الجواب جزء من الخبر، فهو مقول القول المحذوف، والتقدير: قلت: اقرأ ... ، ولذا قال ابن وهب: (ومن الخبر ما يبتدئ المخبر به فيُخَص باسم "الخبر"، ومنه ما يأتي به بعد سؤال فيسمى "جواباً"، كقولك: في جواب من سألك: ما رأيك في كذا؟ فتقول: رأيي كذا، وهذا يجوز أن يكون ابتداء منك فيكون خبراً، فإذا أتى بعد سؤال كان جواباً كما قلنا) (5).

وقد اختلف البلاغيون ومعهم علماء الأصول في حد الخبر، وأطنبوا في الكلام على ذلك ومناقشتة، ناهجين في كثير منه منهجاً فلسفياً وكلامياً، كما يقول الدكتور درويش الجندي: (انتهى الأمر إلى البلاغيين ففصلوا الكلام في هذا الموضوع تفصيلاً فيه كثير من العقم والجمود وجفاف الفلسفة والمنطق والنحو) (6).

وقد جمع السبكي أبرز ما قيل في حد الخبر عند قول الخطيب القزويني في التلخيص: (الكلام إما خبر أو إنشاء؛ لأنه إن كان لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه فخبر، وإلا فإنشاء) (7)، قال السبكي في شرحه: (وقد خرج من تقسيم المصنف حد الإنشاء والخبر على رأيه، فالإنشاء مالم يكن لنسبته خارج تطابقه، والخبر ما لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه.

وقد اختلف الناس في حد الخبر.

فقيل: لا يحد؛ لعسره، وقيل: لأنه ضروري؛ لأن قولنا: زيد موجود مثلاً ضروري، وإذا كان الأخص ضرورياً فالأعم كذلك؛ لأن الإنسان يفرق بين الإنشاء والخبر ضرورة. وأجيب بأن الحصول غير التصور ...

وذهب الأكثرون إلى أنه يحد.

فقال القاضي أبو بكر والمعتزلة: الخبر: الكلام الذي يدخله الصدق والخبر.

فأورد عليه أنه يستلزم اجتماعهما في كل خبر، وخبر الله تعالى لا يكون إلا صادقاً، وأن كل خبر لا يجتمع عليه الصدق والكذب. وأجاب عنه القاضي بأنه صح دخوله لغة.

وأورد عليه أنه دور؛ لأن الصدق الموافق للخبر، والكذب نقيضه، فتعريفه به دور.

وقيل: الذي يدخله التصديق أو التكذيب.

فورد عليه سؤال الدور، واستعمال "أو" في الحدود. وجواب الثاني: أن الترديد في أقسام الحدود لا في الحد. وقال السكاكي: إن صاحب هذا الحد ما زاد على أن وسع الدائرة. قلت: بل زاد لأنه سلم عن السؤال الأول.

وقال أبو الحسين البصري: كلام يفيد بنفسه نسبة.

وقال: بنفسه؛ ليخرج نحو: قائم، فإن الكلمة عنده كلام، وهي تفيد نسبة مع الموضوع.

وأورد عليه نحو: قم، فإنه يدخل في الحد؛ لأن القيام منسوب، والطلب منسوب.

وقيل: الكلام المفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور نفياً أو إثباتاً. بعد أن قال هذا القائل: إن الكلام المنتظم من الحروف المسموعة المتميزة.

فورد عليه نحو قولنا: غلام زيد، فإنه كلام عنده، وهو يقتضي إضافة أمر إلى أمر، وهذا القريب من حد أبي الحسين.

وقيل: القول المقتضي بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي أوالإثبات.

وأورد عليه السكاكي نحو قولنا: ما لا يعلم بوجه من الوجوه لا يثبت ولا ينفى، فإنه يلزم أن لا يكون خبراً. قلت: وجوابه أن غير المعلوم بوجه من الوجوه معلوم ببعض الوجوه، وهو ما وقع به جعله محكوماً عليه في هذه القضية. وأورد عليه أيضاً ما ورد على الأول فيلزم أن يكون خبراً وليس كذلك) (8).

وقد اختصر السبكي عرض الأقوال وما أورد عليها وجوابات الاعتراضات، وإلا ستجد في كتب الأصوليين من الإسهاب والإطالة والجدل الكلامي ما جعل ابن بدران يقول: (وقد أطنب الأصوليون في هذه المسألة وعلماء البلاغة بما لا يأتي بكثير نفع) (9).

والملاحظ أن هذه الأقوال التي تناولها الأصوليون ومن بعدهم البلاغيون بالبحث والجدل لم تنفك عن منهج المتكلمين –وكثير من الأصوليين والبلاغيين منهم- في ضبط الحدود بالجمع والمنع وغيرها مما لا يسلم معه كثير من التعريفات، حتى اضطر بعضهم إلى ترك حد الشيء لعسره، وأظن أن العسر في المنهج الكلامي لا في الأشياء التي يراد تعريفها، والذين قالوا بعدم حد الخبر لضرورته، ربما قال بعضهم ذلك تخلصاً من العسر الذي يشعر بالعقم في المنهج، وإلا فإن المقصود بالتعريف -وخاصة ما كان مفهوماً في الذهن- التوضيح والتقريب والتنبيه، وقد قال الإيجي: (الخبر تصوره ضروري في الأصح، وتعريفاته تنبيهات، فإن التعريف قد لا يراد به إحداث تصور، بل الالتفات إلى تصور حاصل في الذهن، ليتميز من بين تلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير