ـ[محب]ــــــــ[11 Aug 2007, 02:10 ص]ـ
جزى الله خيرًا من أجاب.
ولكن الإشكال ما زال دون إجابة.
وتفسير أكثر المفسرين لأهل الذكر بأهل الكتابين فيه إشكال من جهتين:
الأولى - أن وصف (أهل الذكر) فيه نوع مدح لا يخفى، فكيف يمدح القرآن علماء الكتب السابقة وفيهم مكذبون بالنبي عليه الصلاة والسلام؟
والأخرى - أنه ليس من عادة القرآن الإحالة على علماء الكتب السابقة هكذا بإطلاق، بل عادته الغالبة الإحالة على المؤمنين منهم فقط، والاستشهاد بهم وحدهم دون المكذبين منهم.
ويتأكد الإشكال أكثر بأنا نعلم أن مشركي مكة سألوا أهل الكتاب بالفعل: آلّذي هم عليه خير أم الذي عليه محمد؟ (عليه الصلاة والسلام)، فأجابوهم بالإجابة الفاجرة، فأنزل الله تعالى من سورة النساء: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)}. فكيف يُقال إن القرآن أحال إلى الذين يؤمنون بالجبت والطاغوت الذين لعنهم الله؟
ـ[محب]ــــــــ[11 Aug 2007, 02:46 ص]ـ
وقد أورد السعدي - رحمه الله - في تفسيره مجمل الإشكال وأجاب عنه.
قال رحمه الله: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} أي: اسأل أهل الكتب المنصفين، والعلماء الراسخين، فإنهم سيقرون لك بصدق ما أخبرت به، وموافقته لما معهم.
فإن قيل: إن كثيرًا من أهل الكتاب، من اليهود والنصارى، بل ربما كان أكثرهم ومعظمهم كذبوا رسول الله وعاندوه، وردوا عليه دعوته. والله تعالى أمر رسوله أن يستشهد بهم، وجعل شهادتهم حجة لما جاء به، وبرهانًا على صدقه، فكيف يكون ذلك؟
فالجواب عن هذا، من عدة أوجه:
منها: أن الشهادة إذا أضيفت إلى طائفة، أو أهل مذهب، أو بلد ونحوهم، فإنها إنما تتناول العدول الصادقين منهم. وأما من عداهم، فلو كانوا أكثر من غيرهم فلا عبرة فيهم، لأن الشهادة مبنية على العدالة والصدق، وقد حصل ذلك بإيمان كثير من أحبارهم الربانيين، كـ "عبد الله بن سلام" [وأصحابه وكثير ممن أسلم في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه، ومن بعده] و"كعب الأحبار" وغيرهما.
ومنها: أن شهادة أهل الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم مبنية على كتابهم التوراة الذي ينتسبون إليه. فإذا كان موجودًا في التوراة، ما يوافق القرآن ويصدقه، ويشهد له بالصحة، فلو اتفقوا من أولهم لآخرهم على إنكار ذلك، لم يقدح بما جاء به الرسول.
ومنها: أن الله تعالى أمر رسوله أن يستشهد بأهل الكتاب على صحة ما جاءه، وأظهر ذلك وأعلنه على رءوس الأشهاد. ومن المعلوم أن كثيرًا منهم من أحرص الناس على إبطال دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فلو كان عندهم ما يرد ما ذكره الله، لأبدوه وأظهروه وبينوه، فلما لم يكن شيء من ذلك، كان عدم رد المعادي، وإقرار المستجيب من أدل الأدلة على صحة هذا القرآن وصدقه.
ومنها: أنه ليس أكثر أهل الكتاب، رد دعوة الرسول، بل أكثرهم استجاب لها، وانقاد طوعًا واختيارًا، فإن الرسول بُعث وأكثر أهل الأرض المتدينين أهل كتاب. فلم يمكث دينه مدة غير كثيرة، حتى انقاد للإسلام أكثر أهل الشام، ومصر، والعراق، وما جاورها من البلدان التي هي مقر دين أهل الكتاب، ولم يبق إلا أهل الرياسات الذين آثروا رياساتهم على الحق، ومن تبعهم من العوام الجهلة، ومن تدين بدينهم اسمًا لا معنى، كالإفرنج الذين حقيقة أمرهم أنهم دهرية منحلون عن جميع أديان الرسل، وإنما انتسبوا للدين المسيحي، ترويجًا لملكهم، وتمويهًا لباطلهم، كما يعرف ذلك من عرف أحوالهم البينة الظاهرة.
وفي إجابته رحمه الله إشكالات:
منها: أن الشهادة إذا أضيفت إلى طائفة، أو أهل مذهب، أو بلد ونحوهم، فإنها إنما تتناول العدول الصادقين منهم
الإشكال هنا في تحديد هؤلاء (العدول)، فالقرآن لا يعدّل إلا مسلمة أهل الكتاب قبل النبي عليه الصلاة والسلام وبعده، والمخاطَبون من مشركي قريش قد يسألون خارج هذا الفريق، فلو سألوهم – وهم عدول عندهم – لما حصلت الإجابة الموافقة للقرآن.
ولا يُقال: لا ضير من إجابة كفار أهل الكتاب في هذه المسألة المخصوصة لأنهم يوافقون القرآن على بشرية الرسل.
لأن العبرة بعموم اللفظ، والقرآن لم يستشهد بهم إلا لأنهم أهل العلم بأحوال الأنبياء والنبوات، فلا حرج على من شك في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، وعمل بأمر القرآن وذهب إليهم يستفتيهم في صحة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام.
ومنها: أن شهادة أهل الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم مبنية على كتابهم التوراة
الإشكال هنا في تحديد النسخة غير المحرفة للتوراة، فالقرآن لا يعدّل إلا الصحيح غير المحرف، والمخاطَبون من كفار قريش لا علم لهم بالصحيح من المحرف، وتكليفهم في هذا المقام بالتفرقة سيؤخر في إقامة الحجة، ثم قد لا يهتدون.
ومنها: أن الله تعالى أمر رسوله أن يستشهد بأهل الكتاب على صحة ما جاءه، وأظهر ذلك وأعلنه على رءوس الأشهاد. ومن المعلوم أن كثيرًا منهم من أحرص الناس على إبطال دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فلو كان عندهم ما يردّ ما ذكره الله، لأبدوه وأظهروه وبينوه، فلما لم يكن شيء من ذلك، كان عدم رد المعادي، وإقرار المستجيب من أدل الأدلة على صحة هذا القرآن وصدقه.
دعوى عدم رد المعادي فيها نظر، فما زال كثير من رؤساء أهل الكتاب يدعون مخالفة حال النبي صلى الله عليه وسلم لحال الرسل قبله.
ومنها: أنه ليس أكثر أهل الكتاب، رد دعوة الرسول، بل أكثرهم استجاب لها
هذه الأكثرية التي حصلت بعد الفتوحات، على فرض تسليمها، فلن تنفع المخاطَبين من كفار قريش في هذا الوقت المبكر في مكة.
¥