ـ[المجلسي الشنقيطي]ــــــــ[13 Aug 2007, 05:48 ص]ـ
الحمد لله ...
يقول ربنا في سورة النحل
وما ارسلنا من قبلك الا رجالا يوحى اليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
أما سؤال أهل الكتاب المعاندين الكاتمين ما أمرهم الله بيانه فهذا مشكل ... إذ كما كذبوا في قولهم للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا!! فكيف يؤتمنون بعد هذا و أمثاله ?! وقد ذكر بعض المفسرين أن منهم من إن تأمنه بدينار لايوده اليك الا ما دمت عليه قائما .... ذكروا أن في ذلك اشارة أنهم لا يؤتمنون على دنيا فكيف يؤتمنون على الدين.
أما الذي يؤدي القنطار ... فالراجح ان شاء الله انه عبد الله بن سلام أو أمثاله ممن آمن من أهل الكتاب ... ودليل ذلك قوله تعالى في اهل الكتاب ليسوا سواء من اهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ثم وصفهم بالايمان ... ولم يكونوا ليومنوا بالله و اليوم الآخر لو كفروا بالنبي صلى الله عليه و سلم ... فقال فيهم يومنون بالله و اليوم الآخر و يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يسارعون في الخيرات و أولئك من الصالحين.
فتنبه أخي الكريم الى ان سياق كلام الله تعالى لا يزال في طائفة نسبها الى اهل الكتاب ولكنه اشار في ثنايا الكلام الى ما يدل على انهم استجابوا لله و للرسول صلى الله عليه و سلم .... اذ كيف يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يسارعون في الخيرات وهم على عنادهم وكفرهم ... وكيف يرفعهم الله من الصغار الذي وضعهم فيه ..
وعلى هذا ... فإذا ذكر اهل الكتاب بالثناء و المدح في القرآن فالصواب ان شاء الله أن يتوجه الى الذين استجابوا منهم لدعوة النبي صلى الله عليه و سلم .... يؤكد هذا ايضا ان من اهل الكتاب أميون .... كما أخبر الله تعالى لا علم عندهم حتى بما في ايديهم ... أضلهم الاحبار و الرهبان .. فكيف يحال هؤلاء المخاطبون ايضا على الاحبار و الرهبان الضالين المضلين ?!
أما القول أن موضع النزاع هو بشرية المرسلين .... و ان الله أرشد كفار قريش الى سؤالهم للتثبت ... فهذا القول على وجاهته وقوته فيه نفس الاشكال .. وهو ماالذي يمنع الاحبار و الرهبان من الكذب في ذلك ... أو التمويه على الاقل .. اوحتى الكتمان ... كما كتموا وقالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ?!.
وقد يقال إن مسألة بشرية الانبياء من الامور المشهورة عند اهل الكتاب والتي لا يسعهم انكارها و لا التكذيب بها لذلك أحيلوا في هذه المسألة بالذات مسألة بشرية الانبياء ...
إلا أن القول الذي لا إشكال فيه هو كون أهل الذكر في الآية هم المومنون من اهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه و غيره ممن آمن .... خصوصا اذا علم أن الاصطلاح القرآني لاهل الكتاب هو اهل الكتاب او اليهود و النصارى ... او الذين هادوا .... او الذين قالوا انا نصارى ... او الاحبار و الرهبان ....... والعبد الضعيف لا يذكر ان اهل الكتاب سموا في القرآن بغير هذه ... أما أهل الذكر فلا أذكر انها قيلت في الاحبار و الرهبان ..
فالعالم الكتابي الذي يومن بالنبي صلى الله عليه و سلم كلامه أدعى الى التصديق لأنه ترك ملة الاباء و الاجداد وخالفهم بل وعداهم و عادوه .. وفارقهم ... ومثل هذا يصدق اكثر ممن بقي على ملته.
والحمد لله ان قال السلف بهذا القول ايضا ... و الا فليس لنا ان ننكب عن طريقهم.
هذا ما يظهر والمرجو ان تصححوا ... ونعوذ بربنا ان نتكلم في القرآن بالرأي
و الله اعلم.
ـ[محب]ــــــــ[14 Aug 2007, 08:51 م]ـ
الحمد لله رب العالمين ..
الذي تحصل لدي من كلام أهل العلم، لا سيما ابن تيمية وابن القيم، يكفي في حل الإشكال إن شاء الله.
ولضيق الوقت أقول في عجالة ما فهمته:
أهل الذكر في الآيتين الكريمتين هم أهل الكتاب كما هو المشهور، والمراد علماؤهم بالطبع.
لكن ليس المراد استنطاق أفرادهم فردًا فردًا، بل المراد هو "الجنس". فجنس علماء أهل الكتاب يشهدون للقرآن بالصدق في تقريراته.
وإثبات شهادة هذا " الجنس " تثبت بشهادة طائفة منه، لا يحتاج إلى شهادة فرد فرد.
فإذا ثبتت هذه الشهادة، لم يضر إنكار بعض الأفراد، ولا حتى الجمع الكثير، بل تكون شهادة الشاهدين حجة على المنكر.
وهذا كما تُطلب شهادة "أهل الطب" في مسألة، فليس المراد استنطاق أفرادهم طبيبًا طبيبًا، بل يكفي شهادة طائفة من علمائهم ينقلون ما تواتر لديهم.
لأن المطلوب على الحقيقة ليس معرفة رأي أهل الطب واحدًا واحدًا، بل المطلوب على الحقيقة معرفة الحقيقة الطبية نفسها، وهذه لا يُحتاج فيها إلى استنطاق كل الأطباء، بل يكفي الطائفة العريضة التي تنقل المتواتر في المسألة.
هذا، وأول مَن سيأتي بالشهادة على وجهها لا شك هم مؤمنو أهل الكتاب، وهذا هو التفسير الثاني الوارد عن السلف، فليس هو معارضًا للأول، بل هو ينبه على أول طوائف أهل الكتاب شهادة للقرآن.
ويمكن أن نوفق بين ما سبق، وبين التفسير القائل بأن أهل الذكر هم عبد الله بن سلام وأصحابه، فليس المراد - والله أعلم - نفس شخص ابن سلام رضي الله عنه، ولكن هذا الصحابي الجليل أصبح علمًا على مؤمني أهل الكتاب، فإذا أراد القائل الإشارة إلى طائفة مؤمني أهل الكتاب مثّل لها بأشهر أفرادها، وهذا كثير في تفاسير السلف.
فإذا ذكر اهل الكتاب بالثناء و المدح في القرآن فالصواب ان شاء الله أن يتوجه الى الذين استجابوا منهم لدعوة النبي صلى الله عليه و سلم
الصحيح أن دائرة المدح تتسع لتشمل الذين سيستجيبون أيضًا للدعوة. وبيان ذلك أن أهل الكتاب ليسوا كلهم كافرين قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام، بل كان فيهم من يؤمن بنبيه قبل النسخ وبغير تبديل، فإن الله قبل البعثة مقت أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، فبعض أهل الكتاب قبل المبعث كانوا على الهدى، وهؤلاء يحتاجون أن يسمعوا لما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا سمعوه ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، ويقولون إنا كنا من قبله مسلمين على الإسلام العام.
والمدح يتسع أيضًا ليشمل الذين استجابوا للدعوة لكن منعتهم موانع عن إظهار دينهم، كالنجاشي وغيره.
والله تعالى أعلى وأعلم.
¥