فلم تزل الأمة مجمعة أن نكاح نساء أهل الكتاب حلال إلا ابن عمر فإنه كرهه وكرهه عمر وغيره بغير التحريم خوفا أن تكون الذمية ليست بعفيفة
[فائدة في إطلاق الكراهة على غير التحريم عند المتقدمين]
464
وكذلك قوله عز وجل: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} كان الرجل يحالف الرجل بقول ترثني وأرثك ويرضيان بذلك ويتعاقدان وعلى ذلك / ابن عباس وقال ابن المسيب نزلت في الأدعياء كانوا رجالا يتبنون رجالا يرثونهم
465
وأجمعت الأمة أن الله عز وجل نسخ ميراث الحلفاء والأدعياء
470
وقال لغة العرب في ذلك جائزة يريد المفعول به فيسمي الفاعل، وأراد جل ذكره الإذن في مخالطتهم في المواكلة؛ فسمى الأعرج والأعمى والمريض وهو يريد من يخالطهم فرخص لهم كما رخص للناس في أسفارهم إذا سافروا وبعضهم يصيب من الطعام أكثر من بعض
475
قد أجد الله عز وجل استثنى لهم المودة وأعوذ بالله أن يكون الله جل ذكره أراد أن المودة في القربى أجر له على دعائه إليه ولكن قوله: {قل لا أسألكم عليه أجرا} منقطع ثم استأنف هذا تسميه العرب استثناء الخلف وإنما هو استئناف
477
ومن ذلك قوله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} فبدأ في التنزيل بالوصية قبل الدين وقضى النبي عليه السلام بالدين قبل الوصية، والأمة مجمعة ألا وصية إلا فيما فضل من بعد قضاء الدين
480
وكذلك قوله: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} قال: هو أعلم بالله عز وجل من أن يبدأ باسم سليمان قبل اسم الله عز وجل وإنما معناه الكتاب جاءني من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم فأخبرت ممن الكتاب وأن أول صدر الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم بدأ باسم الله عز وجل قبل اسمه وقد كان النبي عليه السلام أولا يكتب باسمك اللهم فلما نزلت {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} فكتب النبي عليه السلام بعد ذلك فبدأ باسم الله عز وجل فدل بذلك أنه اتبع ما أخبر الله عن سليمان فهذا دليل قوله: / {إنه من سليمان} وإنه مقدم ومؤخر لأن الله عز وجل يقول لنبيه عليه السلام: {فبهداهم اقتده}، ولم تزل كتب الأئمة العدول وعلماء الأمة إلى عصرنا هذا يبدأ باسم الله أول كتبهم
484
وقوله: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي} مقدم ومؤخر وإنما هو في المعنى ولو تملكون أنتم خزائن رحمة ربي
485
وقوله: {خلق الإنسان من عجل} معناه خلق العجل من الإنسان وهي العجلة لأن آدم عليه السلام أراد أن يقوم قبل أن تصير الروح إلى رجليه فقال جل ثناؤه: {خلق الإنسان من عجل}؛ لأن العجل فعل الإنسان بعدما خلق وكذلك قوله: {وكان الإنسان عجولا}
488
ومن كلام الله عز وجل الشيء مسمى باسم يشبهه لا باسمه والعرب تفعل ذلك كقوله تعالى: {كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء} فأراد المنعوق وهي الغنم فسمى الناعق وهو الصائح بالغنم
493
فأنزل الله جل ثناؤه كتابه بلسان العرب ليفهموا معاني ما أراد فيما أمر به ونهى عنه ووصف به نفسه ووعده ووعيده وجميع ما نزله فقال عز من قائل: {بلسان عربي مبين} وكلام العرب له فصول ووصول ليبين به المعاني ويفصح به عن المراد فيصل الكلمة بالكلمة إذا كانت الكلمة الأولى لا تبين عن المعنى وحدها حتى تصل بها الكلمة الأخرى، لو قال قائل من لم يدر سامعه ما يريد حتى يصلها من أين جئت ولو قال قلت لم يدر ما قال حتى يقول كذا وكذا ولو قال أحمد لم يدر من / يريد حتى يقول النبي عليه السلام وإني فلان ولو قال سمعت ما درى سامعه ما سمع حتى يقول كذا وكذا، ومنه مفصل يتم المعنى بالكلمة والكلمتين والثلاث فصاعدا فيتم المعنى ثم يريد المتكلم أن يستأنف كلاما آخر يبين عن معنى ثان فيقطع الكلام الأول عند تمام المعنى ثم يستأنف كلاما آخر ثانيا يتبين عن معنى ثان لا على الأول، لو قال قائل أحمد كريم ثم أراد أن يذم إسحاق ولا يدخله في المدح بالكرم فقال أحمد كريم وإسحاق لم يدعه حتى يصله، ولو قال لي على فلان ألف درهم ثم أراد أن يخبر أن فلاما قد أوفاه فقال لي على فلان ألف درهم وفلان فلو سكت على قوله وفلان كان ادعاء عليهما جميعا ألف درهم فإن قال وفلان قد أوفاني كان فصل ما بينهما، وان ادعى على الأول وفصل الآخر منه بالبراءة / له مما كان له وإنما يفصل الثاني من الأول بأن فصل الكلام بكلام ثان تبين به معنى الثاني من الأول كقوله ذهبت أنا وفلان فلو سكت عليه كان قد أخبر أنهما ذهبا جميعا فإن فصله بكلام مستقبل أبان أنه قد فصل الأول؛ ذهبت أنا وفلان لم يذهب معي فلم يقف على فلان فيكون قد أخبر أنه قد ذهب معه ولكي يبين أنه عطف اسمه ليبين ما قطعه عن الذهاب بكلام يدخله بقوله وفلان يخبر أنه لم يذهب معه وأنه هو ذهب وحده، وكذلك قول الله جل ذكره يبين المعنى بالواو فقال: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى} ففصل بينهم، ولو قال قائل إن الذين آمنوا وهادوا كان قد فصل بينهما، وكذلك قوله السماء والأرض والذكر والأنثى / ولا يجوز السماء الأرض الذكر الأنثى فيكون معناهما واحدا، وكذلك فصل الله فقال: {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم} وكذلك {بسم الله الرحمن الرحيم} ولا جائز بسم الله [و] الرحمن الرحيم فيوهم أنهما اثنان، وكذلك قوله: {محمد رسول الله} ولا جائز محمد ورسول الله فيكونا اثنين، ولا يجوز الفصل فيما لا يتم إلا بالوصل ولا يجوز الوصل فيما لا يتم معناه إلا بالفصل فيمن لم يجهر بذلك
501
والمبتدأ في أكثر الأخبار مرفوع ولكن هذا الموضع نصب الثاني المقطوع من الأول فجعلهما جميعا في معنى المفعول بهما يخالف بين معناهما
¥